إكس خبر- الرئيس بشار الأسد «جزء من الحل» لوقف العنف. هذا ما قاله صراحة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. تحتاج مبادرته لوقف القتال في حلب موافقة الطرفين المتصارعين، النظام والمعارضة. إعلانه هذا يغضب المعارضة التي ترفض حتى الآن اي دور لرأس النظام. مثلما يغضبها ويقلقها الهجوم الواسع الذي تقوده إيران في الجبهة الجنوبية. ومثلما يربكها ويغضبها توجه الكرد إلى إقامة إقليمهم الخاص في إطار «سورية فيديرالية». لكن ما أعلنه المبعوث الدولي تمارسه الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي – العربي في الحرب على «الدولة الإسلامية». توصل رسائلها إلى النظام عبر بغداد مبدئياً. وكانت واضحة منذ اليوم الأول لبدء الغارات على «داعش» أنها لن تستهدف مواقع النظام. الأولوية هي إعادة ترتيب الأوضاع في العراق واحتواء خطر «دولة إبي بكر البغدادي». وقد جدد هذه الأهداف الرئيس باراك أوباما بطلبه تفويضاً من الكونغرس لقتال هذه الدولة. أراد إشراكه في الحرب وفي احتمال التدخل الأرضي في حالات الضرورة. وهذا ما أثار موجة من الجدل في بغداد حول عودة الأميركيين. علماً أنه لا يخطط لانخراط ميداني أو للعودة. دفع باتجاه تغيير اللعبة السياسية في العراق أولاً لإرضاء السنة، بعدما قدم الدعم اللازم لصمود الأكراد ثم دفعهم إلى استعادة المبادرة لحماية إقليمهم. ودفع ثانياً باتجاه إعادة إحياء «صحوات» سنية جديدة تكون رأس الحربة في الحرب على الإرهاب وتحرير المحافظات والمدن السنية.
القادة العسكريون في التحالف يدركون أن الغارات الجوية لن تكون كفيلة بهزيمة «الدولة الإسلامية». لن تغير الخريطة العسكرية على الأرض، أو تسهل استعادة مدن كبرى مثل الموصل. لا بد من «شركاء» على الأرض، كما تقول واشنطن. لكن رحلة البحث عن هؤلاء الشركاء تواجه تحديات وصعوبات. في العراق الذي تضعه واشنطن أولوية، ثمة مخاوف وشكوك تنتاب مكونات هذا البلد. أهل السنة الذين ينتظرون تسليح وحدات عشائرية لا تروق لهم رؤية قوات «الحشد الشعبي» التي ترافق القوات النظامية في الحرب على «داعش». بل اتهموها بأنها مارست جرائم حرب في القرى السنية التي تراجعت منها قوات التنظيم. ولا تروق لهم رؤية وجوه عسكرية إيرانية تشارك في القيادة والقتال على الأرض. والتوتر قائم بينهم وبين الحكومة المركزية. والقوى الشيعية يخشى معظمها من تسليح أبناء العشائر لئلا يسقط هذا السلاح في أيدي الإرهابيين، أو يرفع في وجه بغداد عند أي خلاف سياسي.
أما الأكراد فلا يرغبون في القتال وتقديم مزيد من الضحايا من أجل تحرير المناطق السنية العربية من «داعش». لديهم مآخذ عبر عنها بمرارة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في حديثه إلى «الحياة». أخذ على عشائر عربية وقوفها مع التنظيم الإرهابي. ورهانها على ضرب الإقليم وإنهاء حلم الكرد باستقلالهم وازدهار مناطقهم… لكن هؤلاء لا يجدون مفراً من الانخراط في الحرب حتى إزالة التهديد الذي تشكله «الدولة الإسلامية» على مستقبل العراق كله والإقليم أيضاً. وهم يريدون أن تكون مشاركتهم إلى جانب القوات النظامية ومقاتلي العشائر. المطلوب هنا، كما في التحالف الدولي، غطاء سني لقتال التنظيم الإرهابي.
على المستوى الإقليمي، تبدي إيران تصميماً واضحاً على منع استثمار خصومها ما حققته «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية. لذلك لم تتردد، على رغم استبعادها من التحالف، في الانخراط المباشر في الحرب. في حين لا يبدي خصومها من العرب استعداداً لخطوات مماثلة على الأرض. تكتفي الدول المنضوية في التحالف الدولي – العربي بالمشاركة في الغارات الجوية. ربما تحاذر الصدام المباشر مع الجمهورية الإسلامية وميليشياتها. أو أنها لا ترغب في قتال تبدو فيه كأنها تقاتل بالنيابة عن هذه الجمهورية، خصوصا في العراق. لذلك يستبد القلق بالعشائر وأهل المحافظات الشمالية والغربية التي تخشى تغييرات ديموغرافية مع انحسار «داعش» في بعض المناطق. وبعض التردد في مواقفها نابع من شعورها بأنه أمام خيارين أحلاهما مر: إما الرضوخ لسطوة الميليشيات الشيعية أو القبول بسلطة «الدولة الإسلامية» وسواطيرها وسيوفها وسكاكينها. وفي كلا الحالين ستكون الخاسر الأكبر.
لا شك في أن اندفاعة «داعش» في مساحة واسعة من بلاد الشام هددت ولا تزال مواقع إيران وحلفائها في المنطقة. وقام رهان على استنزافها وإضعاف موقفها التفاوضي مع الدول الست في شأن مستقبل برنامجها النووي. لكنها لم تستسلم للتحدي الجديد الذي انضاف إليه هبوط أسعار النفط وما تخلفه من آثار سلبية على اقتصادها. ردت في جبهات أخرى من الإقليم، من أجل ضم مزيد من المواقع والأوراق. دفعت الحركة الحوثية إلى تغيير الخريطة السياسية في اليمن. وهي تستعد منذ أشهر لتغيير في خريطة القتال في سورية. ويتجلى ذلك في المعركة الحاسمة التي تقودها هذه الأيام مع قوات النظام جنوب البلاد بدعم من ميليشيات شيعية من دول المنطقة. وكان واضحاً منذ الغارة الإسرائيلية التي سقط فيها جنرال إيراني وستة من عناصر «حزب الله» أن طهران تسعى إلى كسر ميزان القوى في المشهد السوري. تسعى إلى قلب المعادلة من درعا إلى القنيطرة فغرب دمشق. فقد شكلت هذه الجبهة ولا تزال مدخلاً لدول خليجية عدة كانت ولا تزال تراهن على إمكان محاصرة العاصمة، والتمدد غرباً باتجاه الحدود مع لبنان. ولا شيء يوحي حتى الآن بأن هذه الدول التي تساند ائتلاف المعارضة ستضع ثقلها إلى جانب قوات «الجيش الحر» وغيره من الفصائل لكسر حدة الهجوم. أو على الأقل موازنة الثقل الواضح لإيران في الميدان. فهل تحقق طهران في هذه الجبهة ما حققت في اليمن، فيما العالم والخليج عاجز عن تغيير مسار اللعبة؟
تفيد إيران بالطبع من موقف الإدارة الأميركية التي تبدو مستعجلة التسوية السياسية. بل لا ترغب في إسقاط نظام الاسد، ولا حتى إضعافه في غياب «شركاء» على الأرض يمكنها الاعتماد عليهم في إدارة البلاد لاحقاً. جل ما تريده هو تدريب افواج من المقاتلين المعتدلين للمساعدة في قتال «داعش» أولاً وأخيراً. وهو ما شجع موسكو على التحرك لعقد لقاء بين سوريين لطي صفحة بيان جنيف الذي نص على قيام جسم انتقالي تمهيداً للتغيير الذي تنشده المعارضة. وهو ما ساعد المبعوث الدولي دي ميستورا على طرح مقاربة مختلفة عن بيان جنيف، أقله في هذه المرحلة. كل ذلك فيما الولايات المتحدة لا تبدي أي معارضة لأي تحرك يعفيها من الانخراط الجدي في تسوية الأزمة. أما أن تكون أميركا وشركاؤها يمهدون لإعادة التعاون مع الرئيس الأسد وتعويمه من أجل قتال «داعش» فأمر يبدو صعباً وشائكاً.
المهم بالنسبة إلى إيران أنها تفيد من نتائج الحرب الدولية على «داعش». تحاول الحفاظ على ما تملك من أوراق وضم المزيد إذا أمكن للرد على ما تتعرض له من ضغوط مع اقتراب الموعد النهائي لابرام الاتفاق النووي. ويرى المتشددون إلى هذه الأوراق مصدر قوة ليس في المفاوضات النووية، بل في تعزيز الدور الإقليمي والدولي للجمهورية الإسلامية. خصوصاً مع عودة الحديث عن عراقيل، إسرائيلية خصوصاً، قد تحول دون التوصل إلى اتفاق بين الدول الست وإيران. لذا لا يخفي هؤلاء المتشددون رغبتهم في بناء تحالف كامل مع روسيا بوتين يناهض الولايات المتحدة ويحد من استئثارها في إدارة شؤون العالم. وكان الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد يؤمن بقدرة بلاده وحلفائها على إعادة تشكيل «أمم متحدة» لا تكون أداة طيعة في يد الغرب، كما كان يصرح. وهي فكرة راودت ولا تزال تراود دوائر متشددة في كل من طهران وموسكو. وثمة من يرى إلى تطابق وتشابه في أسلوب البلدين في التعامل مع الأزمات والمشاكل، كل في نطاق إقليمه. فالجمهورية الإسلامية تتوكأ على القوى الشيعية المنتشرة في العالم العربي من أجل تأكيد نفوذها وحضورها في هذه العاصمة وتلك. ومثلها روسيا تتذرع بحماية الأقليات الروسية المنتشرة في دول الجوار من أجل مد نفوذها وترسيخ حضورها في دول المنظومة الاشتراكية السابقة. هذا ما حصل في أوسيتيا وأبخازيا الجورجيتين، ثم في شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى شرق أوكرانيا.
لا يعني هذا أن طهران تستعجل قيام تحالف مع روسيا. فهي تعرف أن حليفتها لا تفرط بعضويتها في مجموعة «خمسة زائد واحد» التي تحاورها في برنامجها النووي. وتعرف أيضاً حرص موسكو على أمن إسرائيل وتأخذ في الاعتبار مخاوفها من هذا البرنامج. وتدرك أولاً وأخيراً أن مصالحها الاقتصادية مع الغرب وليس مع روسيا التي تعاني مثلها من الحصار والعقوبات. لذلك تبقى الأولوية للرئيس حسن روحاني وحكومته، كما هي للمرشد علي خامنئي، وكما هي للرئيس أوباما التوصل إلى اتفاق نهائي للملف النووي… ولو على أنقاض ما يبقى من وحدة النسيج الوطني لعدد من بلدان المنطقة، من العراق وسورية إلى اليمن وليبيا!
الكاتب: جورج سمعان