العلاقة بين حزب الله والراعي انطلقت بصورة مختلفة عما كان عليه الامر خلال تولي البطريرك نصر الله صفير رئاسة الكنيسة المارونية في لبنان. وقد جرى اعتماد صيغة من التواصل الدائم بين الجانبين، وابقاء حالات الاجتماعات العلنية مع لقاءات خصوصية معينة.
لم يكن وفد حزب الله الذي زار بكركي أمس وضم رئيس المجلس السياسي للحزب السيد ابراهيم امين السيد، برفقة عضوي المجلس غالب أبو زينب ومصطفى الحاج علي، في وارد القيام بأي خطوة من شأنها احراج الراعي، او التسبب بازعاجه، او إفساح المجال امام خصومه للنيل منه. لذلك، كانت الترتيبات مدروسة بعناية، بما في ذلك نوعية التصريحات التي سيدلي بها الوفد، لكن الحزب كان واضحاً في التحذير لناحية ان الموضوع شديد الحساسية، وانه لا يمكن جعله بعيدا عن الاعلام، بحسب ما اراد البعض من خارج الطرفين.
وفد الحزب قال للراعي انه ليس لدى الحزب اي شك في خلفية قراره زيارة فلسطين، بل هناك قناعة تامة بأن هدفه تحقيق مصلحة عربية. لكن الوفد شرح من وجهة نظره، ان المشكلة تتعلق بالطرف الاخر، اي بالعدو الذي يحضر لاستثمار الزيارة على صعد عدة، منها توفير مناخات تبدو فيها الزيارة كأنه مرحب بها، بمعزل عما يصدر عن الراعي من تصريحات، كما ان العدو سيفكر في الف طريقة لاحراج الراعي في الشكل قبل المضمون، بهدف اظهار ان مسيحيي فلسطين لا يواجهون مشكلات مع الاحتلال، وان لديهم مشكلات رعوية يمكن معالجتها من خلال التواصل المباشر مع كنيستهم.
الامر الاخر، أنه سيخرج من لبنان والعالم العربي، سياسيون ورجال دين، يقررون الذهاب الى فلسطين المحتلة، بحجة الابعاد الدينية، ومشيرين إلى ان زيارة الراعي تمثل عنصر تغطية لهم. وسيتحول الامر الى عملية تطبيع شاملة هدفها تشريع الاحتلال.
إضافة الى ذلك، فان اسرائيل تخطط منذ الان لاستغلال زيارة البابا نفسه لاضفاء شرعية على احتلالها القدس، والقول انها قادرة على توفير كل عناصر الامان والتسهيلات لمن يرغب بالحج الى المدينة المقدسة، وستستخدم ذلك لحث دول كثيرة على نقل سفاراتها الى القدس المحتلة، في سياق تثبيتها كعاصمة لها. وان زيارة البطريرك الراعي، ستستثمر للقول ان ابرز الكنائس الكاثوليكية في المنطقة موافقة على الامر.
الراعي من جانبه، اعاد التاكيد على انه يذهب بصفته الدينية، ولا يعطي اي بعد سياسي لزيارته، وانه معني بتكريس موقفه الرافض للاحتلال، ومتنبه الى عدم الوقوع في اي فخ بروتوكولي او اي تواصل مع الاسرائيليين. وانه لا يمكنه تبرير غيابه عن استقبال رئيسه الديني العالمي.
وعلم أن وفد حزب الله لم يدخل في تفاصيل الزيارة وبرنامجها، وأكد للراعي أنه «فضل التفاوض المباشر من باب المصلحة العامة»، مشيراً للراعي إلى أن «السلبيات تفوق الإيجابيات بكثير، وأنها ستترك تداعيات سلبية في المنطقة»، مكرراً «وجهة نظره وتمنياته بإلغاء الزيارة». وصرح السيد بعد اللقاء:« نأمل أن يؤخذ موقفنا الذي طرحناه في الاعتبار، ووضعنا رؤيتنا بين يديه (الراعي)».
من جهته، كرر الراعي مبرّراته للزيارة التي عبّر عنها في أكثر من مناسبة سابقاً، مؤكداً أن«تصريحاته في فلسطين ستحمل وضوحاً لناحية الموقف من الاحتلال الإسرائيلي»، مشيراً إلى أنه «يرفض التطبيع، وموقفه المعادي لإسرائيل واضح». ووصفت مصادر بكركي اللقاء الذي حضره المطران سمير مظلوم، وعضو لجنة الحوار الإسلامي ــــ المسيحي حارث شهاب، بـ «الإيجابي والصريح بعيداً من العتب».
وعن قوة الحماية الأمنية التي سترافق الراعي خلال زيارته، قال البطريرك للوفد إن«كل شيء مؤمّن، وحمايتنا من شبابنا». ليبقى الأمر مبهماً حول ان كان الراعي سيتنقّل تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي أم لا. من جهتها، لم توضح مصادر بكركي مسألة الحماية لـ «الأخبار»، مؤكّدة أن«أبناء الرعية في فلسطين مهتمون بكلّ شيء». وأشارت المصادر إلى أن «البطريرك واع تماماً للفخاخ التي يمكن أن تنصبها إسرائيل، كما تحاول دائماً خلال المؤتمرات العالمية».
ولم يغب الاستحقاق الرئاسي عن اللقاء، إذ ألحّ الراعي على ضرورة حضور النواب جلسة انتخاب الرئيس المقبلة، وانتخاب رئيس قبل شغور الموقع، وطرح الأمر أكثر من مرة خلال اللقاء، مشيراً إلى أن «الأمر يمثل اهتزازاً لصورة لبنان أمام الدول، وضرباً للموقع المسيحي الأول». ولمح الراعي من دون أن يذكر مسألة التمديد أو تعديل الدستور، إلى «ضرورة إيجاد حلّ حتى لا يدخل البلد في الفراغ، وإذا دخل، أكد ضرورة بقاء صلاحيات الرئاسة ضمن الرئاسة». وقال:«لا مانع لدي من أن يأتي النائب ميشال عون، أو غيره إن لم يكن له حظوظ، المهم أن يُنتخب رئيس، ولا يهمّ من يكون».
من جهته، أكد السيد أن «حزب الله مصلحته وخياره يتوافقان مع الراعي في أن تجري الانتخابات بأسرع وقت ممكن حتى يرتاح البلد، كما حصل في مسألة الحكومة، لكن المكونات لم تصل إلى اتفاق على الانتخاب»، مشيراً إلى أنه «إذا أمكن تأمين النصاب لتعديل الدستور، فمن الأفضل أن يُنتخب رئيس جديد».