إكس خبر- بات واضحاً أن منصب رئاسة الجمهورية سيصبح أسير الفراغ، بعد ارتكاب قوى 14 آذار، خصوصاً مسيحييها، خطيئة ترشيح شخصية لا يمكن ترئيسها بأي ظرف أو وسيلة طبيعية.
منذ أن ترشّح سمير جعجع للوصول إلى كرسي بعبدا، كان واضحاً أن قوى 14 آذار تلعب بمصير الاستحقاق الرئاسي، وأنها تقامر بهذا الموقع بكل ما يمثل، خصوصاً أن كل مظاهر الإصرار والتأكيد على “جدية” جعجع في ترشّحه، لم تُخفي وجود ثلاثة مرشحين آخرين من التحالف السياسي ذاته، أبرزهم الرئيس الأسبق أمين الجميل.
لكن اللعبة، كما ترى أوساط سياسية متابعة، كانت تسير في خط التصعيد ورفع السقف، في موازاة سقوط كل الرهانات السورية لقوى 14 آذار، بتلاوينها السعودية والأميركية والأطلسية.
اضطرت قوى 14 آذار إلى القبول بصيغة حكومة “المصلحة الوطنية”، وهي تشبه كثيراً حكومة “الوحدة الوطنية”، بعد تعطيل تشكيلها أكثر من أحد عشر شهراً، فكانت “الحكومة السلامية”، التي جلس فيها “صقور تيار المستقبل” إلى جانب قوى الثامن من آذار، من دون أن ينجحوا في عزل “حزب الله” داخلياً، ولا في إجباره على الانسحاب من سورية، لأن سورية تشهد هذه الأيام انتصارات يحقّقها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، خصوصاً رجال “حزب الله”، في وجه العصابات المسلحة، التي باتت تستجدي العون “الإسرائيلي”، بعد أن فشل كل الدعم الغربي والتركي والسعودي والقطري في انتشالها من هزائمها المتلاحقة.
لذلك، بعد أن ساهم الأميركيون في تليين مواقف “تيار المستقبل” وحلفائه من تشكيل الحكومة، جرى نقل المعركة بعناوينها المعادية للمقاومة، إلى محطة جديدة، رافقتها محاولات “تشاطر” متبادلة من طرفي 14 و8 آذار.
تضيف الأوساط: في وجه محاولة العماد ميشال عون استدراج الرئيس سعد الحريري إلى تأييد وصوله إلى بعبدا، لعب الأخير لعبة رفع السقف وإقفال الطريق أمام الحلم القديم الذي يراود “الجنرال”.
فالحريري لا يحتاج إلى عقد صفقة مع عون للوصول إلى السراي الحكومي، فهو إذا تبنّى منطق التوافق الذي فتح لحكومة تمام سلام طريق الانطلاق، يعود بين ليلة وضحاها رئيساً للحكومة، لكن عون لا يستطيع بسهولة تخطي “الحاجز الأزرق” الذي يحول دون وصوله إلى بعبدا.
إلا أن الحريري والقوى الإقليمية التي تدعمه، يريدون مواصلة حربهم ضد المقاومة، هذه الحرب التي انتهت مفاعيلها على الصعيد الحكومي، من خلال ما سُمّي “ربط النزاع”، فكان ترشيح سمير جعجع أداة الاستمرار، خصوصاً أن جعجع وحلفاءه استعدّوا لمثل هذه اللحظة، من خلال بقائه خارج التشكيلة الحكومية، ما يسمح له بمواصلة “المعركة” ضد “حزب الله”.
يستخدم الحريري جعجع كبدل عن ضائع في مواصلة هذه المعركة، وهو ناجح في تنصيب البدلاء عن ضائع لمثل هذه الحالات، حيث يشغل الرئيس فؤاد السنيورة “رئيساً” بدل عن ضائع لـ”تيار المستقبل”، في غياب الرئيس الحريري، وجعجع يرفع ذات الشعارات التي لا يستطيع سعد الحريري تطبيقها كبرنامج للحكم في وجه المقاومة، لكن إعلانها بصوت جعجع هو مجرد استفزاز للمقاومة يمكن تجاهله، في حين أن شروع الحريري عملياً في تطبيقها يعني “إعلان حرب” من قبَله، وهو ما جرّبه قبله فؤاد السنيورة بقرارات الخامس من أيار 2008 الشهيرة، التي أنتجت السابع من أيار، الذي بات “حائط مبكى المستقبل”.
هذه المناورة يعرف أصحابها أن سقفها هو تعطيل الانتخابات الرئاسية في انتظار تدخل خارجي يحفظ ماء وجوههم، خصوصاً أن الطرف الآخر أعلن بوضوح رفضه مجرد التفاوض على ترشيح جعجع، الذي اكتشف بدوره أن ترشّحه لم يؤدِّ إلى تحويل “نجوميته” إلى رئاسة، ولا حتى إلى زعامة مسيحية أولى، في حين أن الظروف الإقليمية التي حلحلت عُقَد الحكومة، من خلال تسليم الأميركيين بعدم إمكانية عزل المقاومة في لبنان، هي ذاتها تتكرر في سورية، التي بات الأميركي مسلّماً فيها ببقاء الرئيس الأسد، وبانتصاره على الهجمة التي استهدفت بلاده، وهذا التسليم سيظهر بوضوح أكثر خلال الفترة المقبلة، ما يعني ارتفاع منسوب التسليم الأميركي بأفضلية وصول العماد ميشال عون، أو “من يشبهه” إلى بعبدا، لكن بين هذا الواقع وبين “إقناع” الأميركيين للسعوديين وقوى 14 آذار بشرب هذه الكأس المُرة، مسافة هي الفراغ الذي سيدخله الاستحقاق الرئاسي بعد أيام عدة.