مضار الدهون المشبعة.. وإمكانية القضاء عليها

إكس خبر- تعتبر الدهون من الوحدات الأساسية للجسم، فهي تنظم مستوى الكوليسترول، وتشكل وسادات تحمي أعضاءه، وتمدّه بالطاقة، وتساعده على إنجاز الكثير من العمليات الاستقلابية، وتحمل له عدداً من الفيتامينات الذوابة في الدهن فقط، مثل أ، د، ي، ك. وتزوده بالأحماض الدهنية الأساسية التي لا يستطيع تكوينها، وتسانده في الحفاظ على ثبات درجة حرارته.

 

وتتكون الدهون عموماً من خليط من الدهون المشبعة وغير المشبعة، وتوجد الدهون المشبعة بتراكيز عالية في المنتجات الحيوانية، في حين أن الدهون غير المشبعة توجد في عالم النبات.

 

طيلة عقود ونحن نقرأ ونسمع أن الدهون المشبعة بعبع يجب الحذر منه، إلى درجة أن هذا البعبع بات هاجساً يومياً، خصوصاً بالنسبة الى الذين يعانون مشاكل صحية، كالجلطات القلبية والدماغية والداء السكري.

 

وترجع السمعة السيئة للدهون المشبعة إلى ارتباطها بزيادة الكوليسترول الضار في الدم المتهم بأنه وراء الأزمات القلبية الوعائية، وليس من المبالغة القول إن هناك فئات من الناس وصل بها الهوس إلى حد استبعاد الدهون المشبعة كلياً من الوجبات الغذائية.

 

لا شك في أن الدهون المشبعة ليست صحية، لكنها ليست بالشر المستطير الذي يحاول البعض أن يصوره أو يسوّق له. فالدهون المشبعة تعتبر ركناً أساسياً من أركان الغذاء، فهي ترفد مستودعات الطاقة في الجسم، وتشارك في عمليات البناء وفي تصنيع الكثير من الهورمونات والمركبات. لقد شهدت السنوات القليلة الماضية، خصوصاً في الآونة الأخيرة، معطيات جديدة تتعلق بالدهون المشبعة قد تساهم في قلب معلوماتنا عنها رأساً على عقب، ومنها:

 

> إن الدهون المشبعة ليست سيئة بالمطلق، فهي تقوم بوظائف مهمة إذ تعطي الشعور بالشبع والرضى بعد أكلها، وتعزز من نكهة الطعام، وتبطئ من عملية الهضم، فيبقى الطعام في المعدة مدة أطول، ما يبعث الشعور بالاكتفاء وعدم التهام المزيد.

 

> يظن البعض أنه يمكن حذف الدهون المشبعة بالمطلق من الوجبات وهذا ليس صحيحاً البتة، لسبب بسيط للغاية هو أن هذه الدهون لا توجد كعنصر مستقل بل توجد مخلوطة مع عناصر أخرى لا يمكن فصلها كلياً عن الأطعمة.

 

> وكي نفهم ما ورد في الفقرة السالفة، دعونا نستطلع المعلومات الآتية: إن 100 غرام من الزبدة تتألف من 51 غراماً من الدهون غير المشبعة و 24 غراماً من الدهون المشبعة، في المقابل فإن الوزن نفسه من زيت دوار الشمس يحتوي على 89 غراماً من الدهون غير المشبعة و11 غراماً من الدهون المشبعة، وهكذا نرى أنه حتى زيت دوار الشمس الذي يعتبر من بين أهم الزيوت النافعة للصحة يحتوي على دهون مشبعة أيضاً، لذلك من المستحيل حذف الدهون المشبعة في شكل نهائي من الأغذية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا إعلان الحرب على الزبدة، في حين يعطى الضوء الأخضر لزيت دوار الشمس مع أنه يحتوي على دهون مشبعة؟

 

> بعد تحريات شملت 72 دراسة شارك فيها أكثر من 600 ألف شخص، توصل باحثون من مؤسسة القلب البريطانية إلى أن استهلاك زبدة دوار الشمس بدلاً من الزبدة العادية قد لا يقلل من أخطار الإصابة بأمراض القلب، ووفق قولهم فإن ليس هناك أي دليل ملموس يثبت أننا في حال تناولنا الأطعمة التي تحتوي على الدهون غير المشبعة التي تعد «صحية»، عوضاً عن الدهون المشبعة التي تعتبر «ضارة»، تنخفض احتمالات الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.

 

لكن خبراء في أمراض القلب لفتوا الى أن نتائج هذه الدراسة لا تعني أنه مسموح لنا بتناول مزيد من الأطعمة الغنية بالدهون، كما حذروا من أن تناول هذه الأطعمة يؤدي إلى زيادة كمية الكوليسترول في الدم، والتي يمكن بدورها أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية، كما أوضحوا أنه لا يكفي الحذر من الدهون فقط للحفاظ على قلب صحي، بل لا بد من إقرانها بالتوقف عن التدخين، والقيام بالتمارين الرياضية، واتباع حمية صحية، والحذر من كثرة السكر والملح.

 

> إن النصيحة المعمول بها، وعلى مدى عقود من الزمن، كانت تنادي بأن الإقلال من الدهون المشبعة هو من أفضل السبل لتفادي النوبات والأمراض القلبية، غير أن نتائج الدراسات التي حاولت إثبات أن الدهون المشبعة هي العدو كانت مخيبة للآمال، وكشفت أن الغذاء الغني بالدهون أوميغا-3 فقط هو الذي يرتبط بهبوط واضح في أمراض القلب والنوبات القلبية، ولا تقتصر فوائد أوميغا-3 على القلب وحسب، بل تترك فوائد على أعضاء كثيرة تشمل المفاصل، والرئة، والعين، والجهاز العصبي، والجهاز العضلي، والجهاز التناسلي، والبروستاتة وغيرها.

 

> أفاد خبراء بريطانيون بأن الفهم الخاطئ للدراسات العلمية هو الذي كرّس «الخرافة القائلة بأن الغذاء الدسم مضر بالقلب»، فوفق رأيهم إن النصائح التي كانت تعطى لخفض استهلاك الدهون المشبعة إلى 10 في المئة لا مبرر لها، خصوصاً بعد البحوث الجديدة التي أجريت في هذا الخصوص، والتي لم تكشف وجود علاقة بين الكمية المستهلكة من الدهون المشبعة وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بل توصلت إحدى الدراسات إلى أن الدهون المشبعة توفر وقاية من هذه الأمراض.

 

> في تقرير جمعه باحثون من جامعة كاليفورنيا في ديفيس وفي كلية الصحة العامة في جامعة هارفرد، شمل بيانات من نحو 24 دراسة طويلة المدى حول الغذاء وأمراض القلب وطاولت 350 ألف رجل وامرأة تابعهم العلماء على مدى 23 سنة، تبين أن الأشخاص الذين تناولوا كميات أكثر من الدهون المشبعة يومياً لم يتعرضوا لإصابات أكثر بأمراض القلب أو السكتة الدماغية مقارنة بإصابة الأشخاص الآخرين الذين تناولوا كميات أقل من الدهون المشبعة يومياً.

 

> في تقرير آخر قدمه باحثون من مستشفى جامعة آرهاس في الدنمارك، رصد العلماء الآثار المترتبة عن استبدال الدهون المشبعة بمواد غذائية أخرى (كالكربوهيدرات مثلاً) إذ اتضح أن تقليل تناول الدهون المشبعة، وزيادة تناول الدهون غير المشبعة في الوقت نفسه، جيد لصحة القلب والأوعية الدموية، إلا أن تناول الكربوهيدرات المصفاة النقية بدلاً من الدهون المشبعة كان ضاراً لأنه يساهم في تكوين بلبلة على بطانة الشرايين، وهذا ربما يكون السبب في إشعال فتيل الأزمات القلبية والسكتات الدماغية.

 

> أكد العالم الأميركي المعروف الدكتور جيمس دي نيكولانتونيو أن الخوف العام من أن الدهون المشبعة ترفع الكوليسترول هو خوف لا أساس له من الصحة، وأن الغذاء قليل الدسم لا يحد من خطر الإصابة بمرض القلب أو يساهم في إطالة عمر الإنسان، وقال إن العدو الحقيقي هو السكر والكربوهيدرات. وأضاف أن النصائح المتداولة في شأن الغذاء الصحي تعتمد على أدلة معيبة متوارثة منذ عقود، تتهم الدهون المشبعة بالمسؤولية وتهدد الصحة العامة، وأنه آن الأوان لنقول إننا كنا على خطأ.

 

وفي معمعة شد الحبال بين الدهون المشبعة وغير المشبعة، لا يغرب عن البال الدهون المتحولة (أو المهدرجة)، التي تعتبر غير صحية على الإطلاق، فهي لا ترفع الكوليسترول السيئ وحسب، بل تخفض مستوى الكوليسترول النافع الحامي للشرايين. وقد بينت دراسة سابقة عنوانها «دراسة صحة الممرضات» وطاولت 90 ألف إمرأة أن الدهون المتحولة هي من أسوأ أنواع الدهون وأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمراض القلبية الوعائية وربما بتداعيات صحية أخرى لا تخطر على البال.

 

ولسوء الحظ، فإن المشكلة الكبرى في الدهون المتحولة هي أنها توجد بكثرة في الأغذية والأطعمة الجاهزة من دون أن ندري بها، خصوصاً في البسكويت بأنواعه، والكيك الجاهز، والمعجنات الجاهزة، وبعض انواع الكورنفلكس، والفواكه المجففة، والشوكولاتة، والوجبات السريعة.

 

وفي انتظار قرار الحسم في قضية الدهون المشبعة، تبقى ثلاث نقاط:

 

الأولى هي أننا لا نعرف فعلاً كم نتناول يومياً من الدهون المشبعة في وجبات الطعام، إلا أن دراسة حديثة أجرتها جمعية معايير الغذاء الأميركية على 11 ألف شخص، كشفت أن «دعوات نهاية الأسبوع» لتناول الطعام يمكن أن تؤدي إلى تناول كميات هائلة منها.

 

أما النقطة الثانية فهي أن الدهون المشبعة توجد في الكثير من الأطباق التي نتناولها باستمرار، مثل السباغيتي (المعكرونة)، والدجاج الكاري، وحتى الساندويتشات الرخيصة من الأجبان.

 

والنقطة الأخيرة هي أن الدهون المشبعة تحتاج إلى سنوات طويلة حتى تضر بالصحة، من هنا يصبح من الممكن إزالة آثارها العدوانية في حال اتخاذ إجراءات احترازية مبكرة.

 

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *