وإذا نظرنا إلى التكييف القانوني وعما إذا كان مجرما أم لا لهذه الجريمة، فإنه لا مجال من الهروب منها ولاتوجد لها أي ثغرة قانونية في تخفيف الأحكام في حال ثبوت الواقعة ضد المتهمين، لأن الجريمة هي كل عمل يعاقب عليه بموجب القانون، وقد وضع جزاء على من ارتكبه، كما انها الفعل الذي يتعارض مع الحياة الطبيعية للمجتمع ودخول السلبيات إليها، كذلك انتهاك الأعراف مما يجعل الأمر لازما لتوقيع العقوبات على منتهكيها، فلامجال نهائيا لخرق القوانين.
الخطورة الجنائية
تعد جريمة المخدرات من أكثر انواع الجرائم الجنائية خطورة، لأن المتهم الذي يقدم على هذه الجريمة يكون عالما بإرادته ونيته والقصد من وراء الإضرار بنفسه ومجتمع، كما أن الإرادة الجنائية هي الدليل الذي تعتمد عليه المحاكم في غالب أحكامها، خصوصا في مثل هذه الجرائم، لذلك فهي متوافرة إذا كان المتهم يعلم بما سوف يرتكبه من جرم.
كما انه لا يخفى على مثل هذا النوع من الجريمة بأنها سلوك إنساني، ويتوافر متى ماتوافرت الإرادة والتي هي عبارة عن «الفعل»، فلا مجال للإنكار في هذه الحالة.
ومايحدث في مجتمعنا الكويتي ان جرائم المخدرات هي بازدياد، وبالرغم من الاستمرار في محاربة هذه الجريمة من الناحية الإعلامية، فان الأمر يستلزم إكمال هذا الأمر لخطورتها وفداحتها، وزيادتها في حال تركها على ماهي عليه دون ان يتم وضع اليد على مكامن الخلل، فبالرغم من التحذيرات من هذه الجرائم وإلقاء القبض على مئات المتهمين وتقديمهم للمحاكمة، فان هذه الجريمة أصبحت في ازدياد، مما يعني مضاعفة الجهد أو إزالة الخلل ومايعتريه من غموض في إيجاد الحلول الجذرية لهذه الآفة الخطيرة.
وبغض النظر عن اسباب انتشار هذه الجريمة، فإننا نحاول معالجتها من الناحية القانونية، فبالرغم من العقوبات التي تصدرها المحاكم والمشددة، فان ذلك الأمر لم يساهم بشكل قطعي في اجتثاث هذه الجريمة، لذلك فإن التشدد في العقوبات ومحاولة تغيير القوانين هو أمر غير مجد من هذه الناحية، لأن المجرم الذي تقضي المحاكم بحبسه 10 سنوات على سبيل المثال لن يترك الجريمة إذا علم ان عقوبته ستكون الحبس المؤبد، لأنه تعود على هذه البيئة وأصبح أمرا لا بد منه بالنسبة له، وأمر تهديده بالعقوبة هو أمر لا يلفت انتباهه، فهو غارق بما سيقدمه من خطوات إجرامية ويعتقد في كل حالة يقوم بها من جريمة توزيع المخدرات انه إنسان ذكي وسوف يفلت من قبضة الأمن والمحاكمة.
وهناك جرائم يعود ضررها على الشخص نفسه ومثل هذه الجرائم لا تنطبق على المخدرات، التي يكون ضررها على المجتمع بأكمله، لذلك فإن مسألة محاربتها تحتاج إلى تضافر الجهود.
ستزداد بشكل مخيف
مصادر قانونية تشرف على متابعة جرائم المخدرات والتحقيق فيها من قبل السلطة القضائية حذرت من انتشار المخدرات بشكل كبير جدا، وقالت ان ما هو واضح جليا ان المخدرات سوف تزداد بنسبة %100 في الكويت مستقبلا.
واشارت المصادر إلى ان هذا التصور المستقبلي يأتي بعد متابعة السنوات الأخيرة التي تصدر فيها المحاكم عقوبات مشددة، بيد ان المجرمين يزدادون في كل فترة.
وتطرقت المصادر إلى اختلاف طرق ارتكاب الجريمة، موضحة انه في السابق كان يعتمد على تحريات المباحث والمصدر السري والنقود المرقمة من المباحث في قضية المخدرات، سواء التعاطي أو الاتجار، وبالتالي يتم تقديمهم للمحاكمة وتثبت عليهم التهمة لوجود دليل يقيني.
واستدركت المصادر: أما في الوقت الحالي فلا تستطيع أن تثبت دليلا يقينيا على المتهم، لأن طرق ارتكاب الجرائم أصبحت مختلفة بشكل نهائي بعد تتبع المجرمين لاستخدام التكنولوجيا في جرائمهم، موضحة ان المتعاطي حاليا اصبح يقوم بالاتصال بأرقام هواتف عن طريق المسجات ويطلب عينة تعاط بمبلغ، التي تباع حاليا بمبلغ 200 دولارا, وهي قيمة الهيرويين للمتعاطي كمرة واحدة، وبعد ان يتلقى التاجر الذي يكون غالبا قابعا في السجون وحكم عليه بالحبس إما بالمؤبد وإما بالإعدام، وإما بسنوات متفاوتة، يطلب منه أيضا عن طريق المسج ان يضع له النقود في حساب بنكي غالبا ما يكون هذا البنك في باكستان أو أي دولة أجنبية أخرى، فيقوم هذا المتعاطي بإيداع المبلغ عن طريق «النت» او إحدى شركات الصرافة إلى ذلك البنك في الخارج.
واضافت المصادر: وهناك بعد أن تتم العملية يتضح للتاجر من خلال مجرمين آخرين في تلك الدولة أن المبلغ وصل، وهنا يتم تسليم المخدرات أيضا عن طريق المسج، بحيث يقوم التاجر بكتابة العنوان، الذي ستضع فيه المخدرات، وعلى سبيل المثال يقول له «اذهب إلى تلك المنطقة ويعطيه العنوان بالتحديد»، ويجد البضاعة خلف الكيبل الكهربائي الفلاني على سبيل المثال.
وخلصت المصادر إلى أنه في هذه الحالة لن يكون هناك أي متهمين تستطيع الأجهزة الأمنية إلقاء القبض عليهم، كما انه حتى لو تم إلقاء القبض على المتعاطي فإنه لن يتعرف على شكل التاجر، لأنه لم يتعامل معه شخصيا، وتصبح الجريمة في هذه الحالة خارج نطاق الجريمة، وبالتالي يتمكن المجرمون من الإفلات من العقاب.
وبينت المصادر انه وفي هذه الحالة لا يكون هناك ركن مادي للجريمة في حال تقديم المتهم للمحاكمة، والركن المادي هو ان يكون هناك متهمون وجريمة ووقائع ملموسة، اما الركن المعنوي فهو ايضا قد لا يكون ثابتا، وهو الذي يعتمد في غالبية الأحيان على الاجتهاد في القبض على المتهمين واستخلاص المحكمة للوقائع والجريمة، وفي بعض الأحيان ومثل هذه الحالات المحكمة لا تدين المتهم، لأنها لا تعتمد على الشكوك، التي تفسر في غالب الأحيان لمصلحة المتهم، فالقاعدة تقول «براءة مُدان خير من حبس بريء».
وقالت المصادر إنه سبق وتم التحذير من السجناء وأنهم يديرون عملياتهم من خلف الزنزانة، فهم أساس الإجرام، وفي حال تم منعهم من ممارسة أعمالهم الشيطانية، فإن جريمة المخدرات ستنخفض بشكل كبير.
التشريعات الدولية
وبالنسبة الى التشريعات الدولية الخاصة بجرائم المخدرات فإن اتفاقية الأمم المتحدة المستحدثة عرفت المخدرات أو العقار المخدر بأنه «يعتبر عقارا مخدرا، أي يمكن إساءة استعماله والإدمان عليه بشدة ومدرج في إطار فئات محددة»، وفي اتفاقية أخرى عرفت المخدرات بأنها «أي مادة طبيعية كانت أو صناعية أو أي منتجات طبيعية».
ذكاء مجرمي المخدرات
أشارت مصادر قانونية ان زيادة المجرمين في المخدرات قد تكون في بعض الأحيان طبيعية، لأن الإجرام هو الحياة الطبيعية لهؤلاء الأشخاص، وبالتالي فهم يجددون ويتابعون التكنولوجيا، ويستخدمونها استخداما سلبيا، ثم إن هؤلاء المجرمين أذكياء جدا، بل عباقرة في الإجرام، ولو كانوا نشأوا في بيئة صالحة، لساهموا في تطوير مجتمعاتهم، لكنهم للأسف الشديد انخرطوا مع أصدقاء سوء ترعرعوا في بيئة إجرامية، وبالتالي أصبحوا مثلهم.
اختلاف طريقة الجريمة
شددت المصادر على ضرورة وجود دراسات واجتماعات ما بين الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية، ووضع أسباب صدور أحكام البراءة لمصلحة المتهمين بجرائم المخدرات، والتي كانت تأتي لسبب أخطاء في الإجراءات القانونية لضبط وتفتيش المتهمين، بالإضافة إلى تطور الوضع الذي أصبح من خلال التغيير في كيفية ارتكاب مثل هذه الجرائم التي تتم عن طريق الهواتف، ولايكون فيها متهمون متقابلون، كما هو الوضع في السابق، مما يجعل الأمر في غاية الخطورة.