وكانت تعليمات الأمن العام سابقاً تفرض الموافقة المزدوجة للحصول على جواز سفر القاصرين دون السابعة من العمر فقط، ولا تفرض على إذن السفر سوى موافقة الوالد.
وإذا كان اللبنانيون، وخصوصاً النساء، قد هللوا لهذا «الإنجاز»، فإن تدقيقاً في القرار الإداري للأمن العام، يبيّن أنه ما زال دون الطموحات المرجوة على صعيد حقوق المرأة والطفل أيضاً. فإعطاء النساء والرجال حقوقاً متساوية عند إصدار جوازات السفر والإذن بالسفر لأولادهم القاصرين لا يشمل، على ما يبدو، الحالات التي حصل فيها الطلاق. ويبين البند 22 من القرار أنه في «حال وفاة الوالدين أو أحدهما، أو بحالة الطلاق أو الهجر، فإنه يعود حق الإذن بالسفر والتوقيع على الطلب إلى الوصي الشرعي، أو الوكيل القانوني الذي يحمل وكالة صريحة بهذا الخصوص، أو صاحب الحق بالحضانة أو حق المشاهدة وما يماثلها من حقوق تترتب عن حالات الطلاق أو الهجر بناءً لحكم قضائي مصادق عليه من المرجع المختص بتاريخ لا يعود لأكثر من سنة». وهذا يعني أن تقرير هذا الحق قد ترك لمحاكم قوانين الأحوال الشخصية عند مختلف الطوائف، ليكرس مبدأ أن أي تدبير إداري لا يمكن أن يتجاوز قوانين الأحوال الشخصية في لبنان.
ويرى الدكتور بول مرقص، الذي أعد الدراسة القانونية التي بُني عليها التعديل، أن «خطوة الأمن العام هي تدبير إداري حميد، لكنه طبعاً يبقى غير كاف لأن التعليمات الإدارية لا يمكن أن تخالف القوانين المرعية الإجراء (وهي هنا قوانين الأحوال الشخصية)، التي تحمل وجوهاً عديدة من التمييز». وأكد لـ«السفير» أنها «تبعث برسالة إلى المجتمع المدني تفيد بأن تحركه يمكن أن يكون مسموعاً بمقدار الهامش، ولو الضيق، الذي تتيحه قوانين الأحوال الشخصية، وإن كانت لا تغني عن ورشة تشريعية لم تقم إلى حينه، وليس ما يشير إلى قيامها في الأفق المنظور». ويلفت إلى أن الورشة يجب أن تستهدف «تنزيه التشريع اللبناني من النصوص المجحفة بحق المرأة والإنسان».
وكان «الاتحاد النسائي التقدمي» قد نظم حملة مدنية منذ نحو سنة ونصف السنة لإلغاء التمييز بحق النساء اللبنانيات في إصدار جواز السفر والإذن بالسفر. وتؤكد رئيسة الاتحاد وفاء عابد لـ«السفير» أن الجمعية زوّدت المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ملفاً مع دراسة قانونية تثبت أن «التمييز ناجم عن قرار إداري، وبالتالي يمكنهم حذفه وتعديله، كون الأمر ليس بحاجة إلى تشريع لإثبات المساواة وفرضها، ووصل إلى الأمن العام نحو 2800 رسالة تدعم التعديل، وبمشاركة 305 جمعيات ومنظمات بالحملة. وتشير عابد إلى أن «اللواء إبراهيم شكل لجنة لمتابعة الموضوع في ظل استحداثه دائرة للشؤون الإنسانية في العام 2011 وهي التي استلمت هذا الملف». وعليه، وفق عابد، و«بعدما تأكدوا من عدم وجود عائق في قوانين الأحوال الشخصية قاموا بتعديل الإجراء». وتشير عابد إلى أنه كان هناك قرار من الأمن العام يفرض توقيع الأم والأب على إنجاز جواز سفر القاصرين لغاية سن سبع سنوات ربطاً بسن الحضانة، بينما كانت هذه السن قد عدلت عند بعض الطوائف مما كان يؤدي إلى إمكان سفر الوالد بالأطفال خلال الحضانة.
وتعليقاً على عدم فرض المساواة بين الأم والأب في حال الطلاق في إصدار جواز السفر والإذن به بعد انتهاء فترة حضانة الأم بل تركه للمحاكم المختصة، تلفت عابد إلى أن الأم يمكنها وضع إشارة منع سفر للحؤول دون سفر الأب بالأولاد من دون موافقتها في حال الطلاق، مشيرة إلى أن التغيير يأتي خطوة خطوة. ولكن كم امرأة لبنانية تعرف بحقها وقدرتها على طلب منع سفر الأب بأولادها من دون موافقتها حرصاً على حق المشاهدة. وكم امرأة تعرف أن زوجها سيسافر بأطفالها ليمنعها من رؤيتهم؟
ويوضح مصدر قضائي لـ«السفير» أن هناك «نصاً في قانون العقوبات اللبناني يجرم من يخطف قاصراً بقصد الحرمان من حق المشاهدة، وبالتالي يمكن لجوء الأم إليه إذا حال زوجها، بوسيلة أو بأخرى، دون رؤيتها أولادها بعد انتهاء فترة حضانتها لأطفالها».
ويكشف مرقص أن «مكتب جيستسيا» عاد إلى «قانون قيد وثائق الأحوال الشخصية، ولم نجد فيه تخصيصاً للوالد حصراً بإجازة السفر للولد، وبالتالي ليس هناك ما يخصص الأب حصراً من دون سواه، وهنا نقصد الوالدة – الزوجة التي لها الحق بديهياً وطبيعياً». وعليه، وفق مرقص، «طالما ليس هناك منع صريح في القانون، فالأصل هو الإباحة والاستثناء هو القيد». وأثبتت الدراسة أن «هذا القيد ناتج من تدبير إداري من الأمن العام كان يفرق بين الأولاد القاصرين دون السابعة من العمر الذين يحتاجون إلى موافقة الوالدين معاً الزامياً، وبين القاصرين الذين أتموا السابعة من العمر ولم يتجاوزوا الثامنة عشرة، فتشترط التعليمات الإدارية موافقة الأب دون الأم.
وكان الاتحاد و«جيستسيا» قد طلبا ضرورة الاستحصال على موافقة أي من الزوجين منفرداً وليس بالضرورة الأب، ولكن الأمن العام ارتأى إيلاء الموافقة للزوجين معاً، وليس لأحدهما فقط».
يذكر أنه سبق لـ«المجلس الإسلامي الشرعي»، تعديل الفقرة (د) من المادة 22 من القرار 46/2011 التي كانت تنص على منع الأب، أو غيره من الأولياء، من السفر بالقاصر خلال مدة الحضانة من دون إذن مثبت رسمياً أو شرعياً من والدته الحاضنة، ليطبق النص (بعد التعديل) في حال قيام الزواج كما في حال الفرقة، أي في الفترة الواقعة بين نشوء الخلاف وحصول الطلاق والحكم بالحضانة.
وعليه، حال المجلس، من خلال هذا التعديل، دون استمرار الإشكالات التي برزت في أعقاب رفع سن الحضانة للأم إلى 12 سنة للإناث والذكور لدى الطائفة السنية، بحيث أن رفع السن لم يترافق مع ضوابط تحول دون تهريب الأب للأطفال خارج البلاد استباقاً للحكم بالحضانة للأم.
ويومها جاء التعديل قبل عام من اليوم بطلب ومتابعة من «شبكة حقوق الأسرة» برئاسة المحامية إقبال دوغان التي كانت قد طالبت بفرض إذن الأم وموافقتها على سفر الأب والأطفال لغاية 18 سنة.