المصادر السورية تشدد هنا على أن الذي شهدته مدينة حمص كان هزيمة كاملة الأوصاف بالمعنى العسكري، وأن القيادة السورية مستعدة لمنح المسلحين وداعميهم مزيداً من هذه “المظاهر” التجميلية، وليصورها كيفما يريدون انتصارات.. معيدة إلى الأذهان كيف أن هذه المجموعات الإرهابية ومن وراءهم كانوا مع كل إنجاز للجيش العربي السوري يتحدثون عن انسحابات تكتيكية، دون أن يعترفوا بالهزيمة المجلجلة التي لحقت بهم في هذا الموقع أو ذاك المكان، أو تلك الجبهة.
أيضاً، يلاحَظ مع كل نصر أو تقدُّم للجيش السوري بدء الترويج والحديث في إعلام الجبهة المعادية للدولة الوطنية السورية، عن تغيير وتبدُّل في موقف حلف أعداء سورية، فنصير نقرأ ونسمع عن تبدُّل في موقف حكومة رجيب طيب أردوغان، وتغيُّر في موقف مملكة الرمال، وتطوُّر إيجابي في موقف مشيخة قطر، وهلم جرا.. لكن كل ذلك ليس إلا مجرد نوع من التعبير عن هزيمة وارتباك أمام التطورات العسكرية، التي كلفت هذه الدول العشرات من مليارات الدولارات التي بدأت تظهر نعيماً على عدد غير قليل مما يسمى قيادات “المعارضات السورية”، التي تزداد تفسُّخاً وانقساماً وتصادماً، تبعاً للخلافات المستحكمة بين الدول الداعمة، خصوصاً على مستوى السعودية وقطر وتركيا اللواتي صار جزءاً من صراعها مَن يحتل المكانة الأولى عند السيد الأميركي، لكنها في النتيجة ستكون رغم حدة صراعاتها مذعنة للوقوف خلف قائدة الشر الأولى في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الدول (تركيا وقطر والسعودية) تجد الآن نفسها أكثر من أي وقت مضى في ظل الصمود الأسطوري والنوعي للدولة الوطنية السورية وجيشها وقواتها المسلحة، بحاجة إلى الرضا الأميركي وتنفيذ أوامره، خصوصاً أن صعود الرئيس بشار الأسد كرمز كبير في المنطقة لمواجهة العدوانية الصهيونية والأميركية المتحالفة مع الإرهاب، بدأ يسهم بشكل مباشر في تغيير مزاج الشعوب من جهة، ويرسي توازناً دولياً جديداً كان قد اختل منذ مطلع تسعينات القرن الماضي لصالح الولايات المتحدة.
مهما يكن، فقد حاولت مملكة الرمال أن تصوّر انسحاب المسلحين عن حمص القديمة أنه كان لمخابراتها دور في هذا الإنجاز، لكن الوقائع الميدانية تثبت عكس ذلك، فالسعودية ومخابراتها، ومعها الشريكان الآخران المنافسان (الدوحة وأنقرة) كانوا مرغمين على خطوة الانسحاب من أجل إخراج قادة عسكريين ومخابراتيين من هذه الدول، وربما من غيرها، بعد أن لمسوا لمس اليد الحالة اليائسة التي وصل إليها المرتزقة؛ قادة وعناصر، وأنه ليس هناك من أي إمكانية لمساعدتهم أو نجدتهم.
وبرأي بعض الخبراء الاستراتيجيين، فإننا أمام هذه التطورات الميدانية التي أخذ الجيش السوري يفرضها، بدأت الحديث العلني عن طلب “المعارضات السورية” العونَ الصهيوني، الذي لم يعد يقتصر على معالجة آلاف الجرحى، إنما صار يترجَم بتحالف على مختلف المستويات؛ السياسية والعسكرية والدعم، وصار الحديث على “المكشوف” عن منطقة عازلة في منطقة الجولان، على طريقة “الجدار الطيب” في جنوب لبنان، ودويلة العميل سعد حداد ثم العميل انطوان لحد.. لكن المقاومة اللبنانية الباسلة، وتجربتها العظيمة، ونحن على أبواب ذكرى التحرير، وقد يكون للذكرى عبرة، لعبت دورها في الميدان السوري، وهي على استعداد مع المقاومين السوريين لتكرار التجربة، فقد “ولّى زمن الهزائم، وجاء عصر الانتصارات”.