
من باحة السفارة الفرنسية، أطلّ الشباب السبعة ليحيّوا الجماهير كما يحصل في المسرحيات حين يطلّ الممثلون ليودّعوا الجماهير بعد انتهاء العرض..
وعلى هذه الشاكلة، كانت “الخاتمة السعيدة” لقضية شغلت الرأي العام في لبنان والعالم، دون أن يتّضح شيء عن ملابساتها، في مشهد فريد آخر لا يمكن رصده في بلد غير لبنان.
وإذا كان “الدخان الأبيض” بدأ يتصاعد منذ الصباح مع بدء تسريب معلومات عن “الافراج” عن الاستونيين، معلومات بدا أنها فاجأت الأجهزة الأمنية اللبنانية المولَجة بالملف قبل غيرها، فإنّ “النهاية السعيدة” لا يمكن أن تعفي هؤلاء المسؤولين من إيضاح كلّ المعطيات التي أدّت إليها، وهي معطيات لا يمكن أن تقف عند حدود “صحة الاستونيين الجيدة”، باعتبار أنّ هذه المعلومة كانت الأهم في كلّ تصريحات المسؤولين في “الدولة”.
هكذا إذاً، كان يوم الرابع عشر من تموز هو “يوم الحرّيّة” بالنسبة للاستونيين السبعة، اليوم الذي أنهى معاناة طويلة دون أن يطوي الملف الذي بات أكثر غموضاً من الأيام السالفة..
وإذا كان “يوم الحرية” هذا تزامن مع ذكرى العيد الوطني لفرنسا بعد أن لعبت الاستخبارات الفرنسية الدور الأساس في تحريرهم كما أشارت المعلومات علماً أنّ إطلالتهم الأولى على الجماهير كانت من السفارة الفرنسية بالذات، فإنّ أهمّ المفارقات تمثلت بالانكفاء الرسمي شبه الكامل عن الحدث، خصوصاً أنّ المعلومات الرسمية جزمت أنّ أحداً من المسؤولين في ما يسمى “الدولة” كان على علم بـ”الخاتمة السعيدة”.
ويتّضح ذلك من تصريحات المسؤولين في هذه “الدولة” الذين لم يستطيعوا إعطاء الصحافيين معلومات أكثر من أنّ الاستونيين في صحة جيدة أو، في أحسن الأحوال، أنهم يستحمّون ويتناولون الطعام، وهم ربما لا يُلامون على ذلك. فوزير الخارجية عدنان منصور أبلغ “النشرة” أن الاستونيين السبعة هم في صحة جيدة، فيما كشف وزير الداخلية مروان شربل لـ”النشرة” أنّ “الاجهزة الامنية اللبنانية هي على علم بالتفاصيل ولكنها لن تفصح عنها الان حتى الانتهاء من التحقيقات”، وهو الذي أعلن من السفارة الفرنسية أنّ الاستونيين يستحمّون ويأكلون وأنهم بصحة جيدة، في حين أعلن وزير العدل شكيب قرطباوي لـ”النشرة” أيضاً أنّ الملف لم ينتهِ بعد، متحدثاً عن تحقيق جدي بعيداً عن منطق “عفا الله عما مضى”.
انتهت “مسرحية” الاستونيين السبعة بـ”غموض” يفوق “غموض” الاختطاف، ومن دون أن تكتمل فصولها..
هو حدث فريد آخر لا يمكن أن يحصل في لبنان، حيث يمكن لعملية اختطاف أن تحصل في وضح النهار دون أي حسيب أو رقيب، ويمكن للخاطفين أن يطالبوا بفدية لا يعلم بها أحد من الأجهزة الأمنية اللبنانية، ويمكن للمخطوفين أن يظهروا في تسجيلات ليطالبوا السلطات بالتعاون مع الخاطفين وتلبية طلباتهم دون أن يعرف أحد ما هي هذه الطلبات، ويمكن أخيراً أن يُحرّر المخطوفون دون أن يعرف أحد من الذي خطفهم..
هي فعلاً “رواية” يمكن أن تصلح لـ”مسرحية خيالية”، ولكن أن تكون واقعاً ملموساً فهنا الغموض بحدّ ذاته!