إكس خبر- في تبريره بأنه لم يرد في النص الديني ما يتطرق إلى الإفطار أثناء رمضان بسبب اللعب، أفتى عضو بارز في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأن على لاعبي المنتخب الجزائري أن يصوموا أثناء خوضهم غمار تصفيات مونديال البرازيل، لأن «النص» أفاد بأن «السفر في سبيل اللعب لا يبيح الإفطار» علاوة على أن «منطق القرآن الكريم الذي لم يحدّد السفر بسفر اللعب ولكن لعلاج مرض، أو جهاد، أو علم».
أما رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدكتور عبد الرزق قسّوم، فزاد في شرحه على ما قاله زميله، داعياً إلى وجوب صيام اللاعبين لـ «انعدام الضرر»، فـ «فصل الشتاء حالياً في البرازيل طويل والنهار قصير جداً، ما يعني انتفاء وجود مشقة، والضرر مرتبط بالجوع والعطش، وبما أن النهار قصير فلن يشعروا بالجوع والعطش».
وتظهر وجهتا النظر الآنفتان حجم المعضلة التأويلية التي تعصف بالفقه برمته، ففي داخل جمعية واحدة للعلماء الإسلاميين، ثمة من يلتزم النطق الحرفي الديني، وثمة آخر يتعامل مع مبدأ القياس. الأول قال لم يرد نص واضح في القرآن الكريم يقضي بإفطار اللاعبين، والثاني ذهب إلى القياس العقلي، وبنى رأيه على مفهوم «انعدام الضرر»، مع أن الضرر فادح وظاهر، وهو رأي فيه مساحة من الجدل يمكن للمرء أن يساجل أو «يلعب» فيها!
وتكشف هذه المعضلة عن مأزق الفهم الديني لمقتضيات العيش، لأنها تصدر عن وهم كبير بأن على الدين أن يتغلغل في كل مسامات الحياة، فيوجّه مركبة الإنسان في أكله ومشربه ولباسه ونومه وقيامه، وكذلك في الكيفية التي يتوجّه فيها لقضاء حاجته، وبأي قدم يدخل، وبأيها يخرج.
ولعل في مثل هذا الإجراء الذي نتيجته أن يغمر الدين وتعاليمه واشتراطاته الفقهية التفصيلية دنيا الكائن، أن يجعل الإنسان منهوب الإرادة، لا حول له ولا قوة في إدارة مساراته في الحياة، وتحديد اختياراته. ليست ثمة اختيارات، وليست ثمة انتقائية بين فعل هذا وترك ذاك. ثمة ووفق قائمة من المحظورات التي يتعين اجتنابها لأنها إفك من عمل الشيطان، وأقلها أنها بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وقد كان هذا مدار الجدل الذي اندلع قبل نحو ألف عام حين بدأه المعتزلة، وقالوا إن الإنسان مسؤول عن اختياراته، ونفوا مبدأ الجبرية، وعارضوا مبدأ الجهمية الذي كان يؤكد أن الإنسان مغلول اليد، وأن كل ما يحصل له هو إرادة الله، سواء خير أو شر، فالله قدّر على الإنسان أعمالاً لابد أن تصدر منه.
المعتزلة، كما يعلم كثيرون، عارضوا ذلك، مشددين على أن الله خلق العباد وترك أمر أفعالهم إليهم، استناداً إلى أن الإنسان يستطيع أن يقرر ما يشاء.
المعتزلة، آنذاك، انتصروا للعقل والتفكير المنطقي الذي يتكىء على نصوص عدة ووفيرة في النص الديني تؤكد وجاهة مبدئهم، لكن الانتصار الأخير كان لأصحاب الرؤية الحرفية السلفية التي عبّر عنها بعض علماء الدين الجزائريين الذي يرى أحدهم أن القرآن لم يورد نصاً صريحاً يحض على إفطار اللاعبين، وفي ذلك إساءة إلى النص القرآني، وفهم مغلوط لطبيعته الروحية. وفي هذا الفهم تكمن المأساة الكبرى في الفقه الديني المعاصر.
إذن، كيف نخرج من عنق الزجاجة، ونجدد فهمنا للنص القرآني، ونعيد الاعتيار له بصفته كتاباً دينياً يرمي إلى تنظيم علاقة الإنسان الوجدانية بين الأرض والسماء؟
لماذا نواصل تحميل القرآن ما يتنافى مع طبيعته، ونتخذه مشجباً لتبرير مواقفنا، وتمرير مواقفنا السياسية، وتصوراتنا الأيديولوجية؟
يصوم اللاعبون أم يفطرون. تلك مسألة علمية، يقررها الأطباء، وليس الفقهاء الذين يرون بأنه لا ينطوي على ضرر، لعبُ ساعة ونصف الساعة، والشد العصبي والنفسي، والإرهاق البدني، وقبله وبعده امتناع طويل عن الشراب والطعام.
ليجلس هؤلاء على مقاعد الاحتياط، وليتولّ الأمر أهل الاختصاص، فهم أدرى بما يضرّ الإنسان، وما ينفعه!