السطو على الروشة: نوم أهل المدينة

هديل فرفور جريدة الأخبار –

بعيداً من كل الخطابات العاطفية، تُعدّ الروشة أحد أبرز «رموز» لبنان و«معالمه» الطبيعية. لو لم تكن كذلك، لما كانت صورها تزين إحدى أوراق العملة الوطنية، وتتصدّر كل الإعلانات السياحية التي «تروّج» لهذا البلد. ثمة من وضع يده الآن على داليتها، وأحاطها بأسلاك شائكة وشباك حديدية «تبضّع» الهواء النافذ منها.

ثمة من يريد أن «يقضم» المساحة العامة الوحيدة في العاصمة المطلّة على البحر، ويسعى إلى جني الثروات من خلال حرمان الجميع الولوجَ الحرّ والمجاني إليها.
مثل كل أحد، دعت «الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة» يوم الأحد الماضي إلى استكمال الاحتجاج على إقامة السياج والأسلاك وأحجار الباطون و«الكشك» الذي وضعته بلدية بيروت لحرّاسها من أجل ضمان «سلامة» السياج.
51 شخصاً سجلوا نيتهم للمشاركة «افتراضياً» عبر موقع «الفايسبوك»، و«واقعياً» حضر 5 أشخاص إلى الدالية. توزعوا بين من افترش أرض الكورنيش عند المدخل الوحيد الذي تركه المستثمرون للولوج إلى الدالية، بهدف لفت نظر المارة، علّ ذلك يشجعهم على الانضمام إليهم. وبين من نزل إلى الدالية ليرسم وجوهاً غاضبة على مكعبات الباطون المرصوفة هناك تمهيداً لردم البحر بها وزيادة مساحة الأملاك العامّة المنوي السطو عليها. الهدف من الرسم هو تحويل المكعبات الإسمنتية إلى جيش مخيف من الوحوش الكاسرة، التي تنذر بافتراس الدالية وروادها.
«الخيبة» لا تكمن في الفارق بين عدد المستجيبين «افتراضيا» لدعوات حماية الدالية والعدد المشارك في الواقع، فالعددان يتسمان بالقلة. المسألة تتعلق بغياب الوعي بأهمية الدالية وضرورة عدم السماح بالتفريط بها كرمى لعيون بعض المنتفعين. فالدالية لا تعني الكثير للذين يرتادون الكورنيش البحري في الروشة، وهم لا يعرفون عنها إلا صورة نمطية سلبية جرى تشكيلها في الوعي الجمعي بهدف تسهيل السطو عليها وتحويلها إلى منغلق آخر على واجهة بيروت البحرية، مخصص للميسورين فقط.
تأتي رانيا (30 عاماً) مرتين في الأسبوع إلى الكورنيش لتمارس رياضة المشي، تسألها عن موقع الدالية، تستغرق وقتاً كي «تتذكر» الاسم، وسرعان ما تتذكر أيضاً: «آه اللي بينزل عليها السوريين وهيك؟».
ليس هناك ضرورة لتفسير ما تعنيه كلمتي «السوريين» و«هيك» في قاموس «العنصرية» اللبنانية وما يحمله من «فوقية» في النظر إلى الفقراء والعمال الأجانب واللاجئين. لا تخفي المرأة الثلاثينية جهلها بقضية الدالية، جلّ ما يعنيها هو تحسين «المنطقة لتصير أجمل»، و«الأجمل» برأيها هو كل مكان يخلو من الناس «الهيك».
ليست رانيا وحدها من يعتقد أن «الدالية للسوريين»، كثر يعتقدون أن الدالية هي مكان يكتظ بالأجانب الفقراء وبالعشاق الهاربين من عيون الناس ومتعاطي المخدرات. تقول سارة (19 عاماً) إنها نزلت إلى الدالية مرة واحدة فقط في جولة مع المدرسة، وسبب عدم تكرارها «النزلة» يعود إلى أن والدها منعها من ارتيادها «لأن كلها أجانب وزعران!». إلا أن سارة، بخلاف رانيا، تتابع قضية الدالية عبر الإعلام، وتجد أن الحل يكون بتحويل الدالية إلى منتجعات برسوم زهيدة!
عقلية تحبيذ الخصخصة، والظن أن ذلك يجعل «المكان أجمل وأفضل» تقضي على الدالية. الكثير من رواد الكورنيش لم يبدوا انزعاجاً من تسييج الدالية وصخرة الروشة، يتصرفون كما لو أن الشاطئ اللبناني كلّه لم يصبح «منتجعات» يعجز أكثرهم عن ارتيادها، ويتحدّثون عن بناء المزيد من المنتجعات مع عبارة شرطية بأن تكون «الأسعار مدروسة»، وكأنهم يتحدثون عن أمر يحدث لأول مرّة.
الناشط في «الحملة الأهلية للحفاظ على دالية الروشة» رجا نجيم، يستغرب «كيف يمكن منتجعاً خاصاً أن يتقاضى رسوماً زهيدة»! لا ينكر نجيم أهمية العدد في رفع الصوت أكثر ضد الذين يريدون حرمان الناس الدالية، ولكنه يرى أن «من يريد التغيير، يجب ألّا ينتظر أحداً».
بخلاف نجيم، لا يأمل العم نبيل (60 عاماً) إمكانية التغيير. اللافت أنه كان الأسرع في تحديد موقع الدالية وامتدادها عند سؤاله عنها. كيف لا يعرفها وهو تعلّم السباحة فيها؟ وعلى الرغم من أنها تعنيه كثيراً، إلا أنه لم يشارك في أي من نشاطات الحملة. «بعرف البلد أعوج من زمان» يقول، ويدير ظهره لاستكمال مشيه. أمّا روجيه (29 عاماً)، فهو على الرغم من أنه مغترب منذ أكثر من عشرين عاماً، إلا أن الروشة والدالية تعنيه كثيراً. إنهما في رأيه تتعلقان بالتراث وبحسه الانتمائي لبلده، لكنه يجد أن المشكلة تكمن في «عقلية الناس التي تحتاج إلى مئات الحملات كي تتغير».
في الجولة على كورنيش الروشة، يمكن تقسيم ردود فعل الروّاد إلى ثلاثة أقسام: البعض يجهل أهمية الدالية وموقعها، وبالتالي لم يتابع قضيتها. والبعض لا يمانع استبدال الحيز العام بمنتجعات سياحية، بشرط أن تكون الرسوم زهيدة. أما من تعنيه الدالية ويعي خطورة ما يجري هناك، فلا يأمل بالتغيير!
تقوم الحملة الأهلية بعمل لافت، «على الأقل استطعنا أن نقف بوجه هذا التعديّ»، يقول نجيم، ويضيف: «مستمرون في هذه المواجهة وسننتصر».
يرى نجيم أن الأسلاك هي دليل ملموس على «عنجهية» المستثمرين، إلا أن المعركة تحتاج حتماً إلى قاعدة شعبية لتضغط بنحو أكبر، ولا سيما أن إقامة السياج والأسلاك الشائكة ليست سوى «محاولات لجسّ النبض».

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *