يكبّرن أعمارهن من أجل العمل.. في لبنان!

اكس خبر – إضافة إلى التجاوزات القانونيّة والأخلاقية والإنسانية والاجتماعية بحق العاملات الأجنبيّات في المنازل، هناك ظاهرة جديدة: عاملات قاصرات لم يتجاوزن الرابعة عشرة يتم التلاعب بخانة أعمارهن في أوراقهن الثبوتيّة، فتغدو الطفلة شابة من خلال تزوير سنة الولادة وزيادة سنوات إلى العمر، قد تبلغ أحياناً عشرة أعوام.
لا يقتصر هذا التغيير على الرقم، بل هو مسرحية والتزامات، أحكام قانونية ومسؤوليات، مع هذا الرقم الجديد تسلخ الفتيات من أسرهن وصداقاتهن وعالمهن وعمرهن، ليُدفعن إلى الهجرة والعمل والقسوة وعالم الكبار، حيث يجب أن يكن راشدات رغماً عن الطبيعة البشرية، وقادرات على التحمّل رغماً عن أنفسهن وعن كل شيء.

الطفلة روبي
دقت الساعة الخامسة من بعد الظهر، خرجت من منزلها كعادتها كل يوم مترنحة، حاملة أكياس القمامة الضخمة. هو موعد نزهتها اليومية، حيث تتخذ من رمي النفايات حجة كي ترى نور الشمس وزرقة السماء. يمسك بثوبها ولد في السابعة من عمره وطفلة في الخامسة تناديها «ماما». وجهها وجسدها يؤكدان بلا شك أنها طفلة. عيناها تشعان براءة وضحكتها خجولة. قامتها قصيرة وجسمها نحيل لم تكتمل تقاسيمه الأنثوية. منذ حضرت أصبحت موضع اهتمام أبناء الحي ومحط استغراب، والجميع يتساءل عن عمرها، إلى أن بادرت إحدى السيدات وسألتها: «أنت من أيمتى بتشوفي دم؟». وذلك للتأكد من سن بلوغها فأجابتها منذ سنة.
«أنا من بنغلادش. اسمي روبي. عمري عشرة وثلاثة»، تشير بأصابعها ضاحكة «بس بالباسبور أنا كبروني، صرلي بلبنان سنة ونصف». ما يعني أنها كانت في الحادية عشرة والنصف من عمرها عندما جاءت إلى لبنان. «أنا بابا مريض وعندي ثلاثة سيستر وصبي واحد. وأنا الكبيرة قالولي بدك تروحي إشتغلي بلبنان، وجيت». وتروي أنها دفعت أموالاً طائلة للمكتب في بلدها كي يتم تكبير عمرها.
في ليلة وضحاها باتت هذه الطفلة التي تلهو في الحقول مع أترابها، شابة في العشرين من عمرها، عاملة منزل تقوم بالأعمال كلها، وأماً لولدين إضافيين إلى أسرتها الحقيقية في بلدها. تستيقظ عند الساعة السادسة صباحاً، تجهز ثياب المدرسة للطفلين، وتحضر الفطور. في ليلة وضحاها اختصرت عشر سنوات من حياة روبي. لم تذرف الدموع حين غادرت قريتها وودعت إخوتها: «ما بدي زعل البابا». لكن ما إن أصبحت في الطائرة حتى انهار قناع النضج والمسؤولية، وعادت تلك الطفلة الخائفة من المجهول، المشتاقة إلى حضن والدتها. ولا تبالي بطفولتها المسلوبة، فهذا قدرها، إذ عليها تحسين المستوى المعيشي لأسرتها، وبالتالي السماح لإخوتها بالبقاء في المدرسة. لكن، على الرغم من اندماجها في الحياة الجديدة وتأقلمها مع تبعات عمرها الجديد، «قبل ما نام بس بنغلادش بفكر.. ماما، بابا، إخواتي، وكيف كنت عايشة هونيك».

ابنة جديدة
«أول ما شفتها في المطار قلت شو جايبينلي ولد!»، تقول أم سلطان صاحبة المنزل الذي تعمل فيه روبي. وتتابع أنها هي من قام باختيارها عن طريق الصورة، ووافقت على مجيئها، إلا انها لم تشك للحظة أن يرسلوا لها «طفلة». حاولت أم سلطان مراجعة المكتب الذي عرض عليها استبدالها بأخرى، إلا ان «ضميري لم يطاوعني، خفت يعطوها لناس ظالمين، قلت برضى بنصيبي». أصيبت روبي بحالة من الاكتئاب والحزن في الأشهر الأولى، وكانت أم سلطان تراعي ظروفها، «هلق بحسب أنوا الله بعتلي بنت كبيرة عم ربيها مثل هالولاد، وبتساعدني بالشغل».
تمارس روبي طفولتها بحسب أم سلطان من خلال لعبها الدائم واندماجها مع الأطفال، وغالباً ما تجدها على شرفة المنزل تنظر إلى أولاد الحي يلهون.
حال روبي ليست الوحيدة. يبدو أن مسألة تزوير أعمار العاملات أمر متداول ولا ينحصر في منطقة واحدة.
سلمى التي تقطن في إحدى بلدات الجنوب، لا توحي تقاسيم وجهها بصغر سنها، إلا انها بعد شهر من وصولها إلى لبنان عانت من انقطاع الطمث وأوجاع في المعدة،. اصطحبتها صاحبة المنزل، أم حسين، إلى طبيب نسائي، فأخبرها أن عمر سلمى لا يتجاوز الرابعة عشرة، وقد استند إلى صغر حجم رحمها. عادت أم حسين ضائعة. راجعت المكتب فعرض عليها استبدالها بأخرى. إلا انّها رفضت.
يبلغ عمر سلمى الحقيقي أربعة عشر عاماً، هذا في بنغلادش، أما في لبنان فهي في الحادية والعشرين. لدى سؤالها عن حياتها في بلدها تسرع إلى غرفتها لتعود حاملة صورة والدها المقعد ووالدتها.. فذات مساء، منذ نحو السنة، وبينما كانت مستكينة في فراشها ترسم أحلام غدها، وردهم اتصال يخبرهم بأن سلمى ستسافر إلى لبنان في صباح اليوم التالي. ولن تنسى سلمى تلك الليلة في حياتها.

مسؤولية المكاتب
يعتبر نقيب مكاتب الاستقدام هشام البرجي أن المسؤولية تقع على العاملة نفسها، إضافة إلى المكاتب في الخارج التي ترسل طلبات العمالة. ويلاحظ أن هذه المسألة تكثر في دولتين: بنغلادش واثيوبيا، نظراً إلى أنهما لم تطبقا بعد المعايير العالمية لجوازات السفر، التي يستحيل معها تزوير العمر. يضيف انه لا يوجد أي مصلحة للمكاتب اللبنانية بأن تستقدم فتيات صغيرات. ويشرح آلية استقدام العاملات: يتم إرسال الطلبات من الخارج وفيها مواصفات العاملة وصورة عن الجواز. لكن أحداً لن يميز العمر من الصورة. ومعدل عمر الاستقدام هو 18 سنة، إلا ان النقابة تطالب برفعه إلى العشرين.
ويشدد البرجي على ضرورة ترحيل العاملة فور علم المكاتب بالأمر، «بمجرد أن يساور المكتب الشك وحين تعترف بعمرها الحقيقي، يصبح من واجب المكتب ترحيلها. وإلا يصبح المكتب شريكاً في الجريمة. ويكشف أن ثمة حالة تم اكتشافها وهي من الجنسية الاثيوبية وعمرها خمسة عشر عاماً، وتم تسليمها إلى سفارة بلادها».

الناحية القانونية
يعبّر المحامي نزار صاغية عن استغرابه وجود هذه الحالات في لبنان واصفاً الأمر بالجريمة. يذكّر بالمرسوم الرقم 700 الصادر في 25 أيار العام 1999، الذي «يحظر استخدام الأحداث قبل إكمالهم سن السادسة عشرة أو السابعة عشرة في الأعمال الخطرة بطبيعتها والتي تشكل خطراً على الحياة أو الصحة أو الأخلاق»، والتي تصنف الخدمة المنزلية من ضمنها. ثم بالمادة 25 من قانون حماية الأحداث (422) التي تحدد الحدث المهدد ومن ضمنها الحدث إذا وجد في بيئة تعرضه للاستغلال أو تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته».
وتوضح مصادر رسميّة أن المؤسسات الرسمية اللبنانية، لا سيما وزارة العمل والمديريّة العامة للأمن العام، لا تتحمّل مسؤوليّة أي تزوير أو تلاعب في أي جواز سفر أجنبي، وإنّما المسؤول هو الجهة التي تصدر جواز السفر.

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *