السجائر تحتوي على مادة مشعّة وشركات التبغ فضّلت إبقاء ذلك سرياً

يعتبر العنصر المشعّ «بولونيوم – 210» من أحد مسبّبي سرطان الرئة، وهو لا يزال حتى اليوم موجودا في السجائر. وقد أكدت هذه الحقائق لشركات التبغ سلسلة من البحوث التي أُجريت في الخمسينات والستّينات. إلا أن الوثائق التاريخية تفيد بأن تلك الشركات فضّلت إبقاء تلك النتائج المثيرة للصدمة، سرية.

بالإضافة لعشرات المواد الكيميائية المسرط.نة يحتوي دخان السجائر أيضا على مسرطنات مشعة، مثل الرصاص – 210 والبولونيوم – 210 بالدرجة الرئيسية. هذه الجزئيات المشعّة تستقر عادة في الرئتين، وبمساعدة القطران يكون لديها ما يكفي من الوقت لكي تتحلل. وبذلك يصل إلى رئتي المدخّن الإشعاع المعروف برمز ألفا، ما يساعد بشكل بارز على زيادة امكانية التكاثر السرطاني.

لقد علمت شركات التبغ الكبيرة بوجود هذا الخطر. حتى انها حسبت كمية الإشعاع التي تصل إلى رئتي المدخّن العادي، إلا أنها عملت بعد ذلك على إخفاء نتائج البحوث، بالرغم من أن الإشعاع يساهم بشكل مباشر في نشوء سرطان الرئتين.

إخفاء مقصود

تبيّن ذلك من تحليل تاريخي لـ 27 وثيقة غير معروفة بعد، أجراه علماء من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجولس. وأفاد هراير كاراغوزيان الكاتب الرئيسي للدراسة، بأن نسبة الغش من جانب شركات التبغ فاجأته: «تبين بأن تلك الشركات لم تكن تعلم فقط عن وجود البولونيوم، لكنها كانت تعلم أيضا عن وجود رابط مسبّب بين هذا العنصر المشع ومرض السرطان».

وقد استخدم كاراغوزيان وزملاؤه الحسابات في الوثائق الأصلية وتوصلوا لنتيجة مفادها أنه بإمكان الجزئيات المشعة الموجودة في السجائر التسبب بحوالي 138 حالة وفاة بين كل ألف مدخّن خلال 25 عاما.

أما سبب عدم الرغبة في تعميم النتائج المرتبطة بالخطر الإشعاعي في كل لفافة تبغ، فيمكن تفسيره بسهولة مثلما تفيد شيريل هيلتون، مديرة جمعية أميركان ليغاسي فاونديشون:

«كان ذلك في الوقت الذي كنّا نصرخ فيه تحت الطاولة خلال التمارين التي كانت تُجرى لمواجهة احتمال الانفجار النووي، وهو الزمن الذي كان الناس فيه يبنون ملاجئ ضد الحرب النووية في حدائقهم».

«يصعب تصور زمن آخر يمكن أن يكون فيه لمعلومات حول وجود الإشعاعات في السجائر وقع أكبر من ذلك الزمن. لا شك في أن كثيرا من الناس كانوا سيتوقفون عن التدخين لو تم تعميم نتائج البحث».

وتعتقد هيلتون بأن كثيرا من الناس لا يعلمون حتى اليوم بأن السجائر تحتوي على مصدر إشعاع.

البولونيوم في السجائر

البولونيوم المشعّ 210Po يبث جزئيات مشعة خطيرة من نوع ألفا. وهي تصل إلى الرئتين مع المواد المسرط.نة الأخرى الموجودة في دخان السجائر.

«في الواقع، فإن مزيج المواد الكيميائية والإشعاعية المسرطنة هو الذي يرفع نسبة الإصابة بالسرطان»، مثلما ذكر أخيراً لقناة إي بي سي البروفيسور جون سبانغلر من المركز الطبي ويك فوريست بابتيست في ولاية كارولينا الشمالية.

«وبالتالي، فإن دخان السجائر هو أخطر مما كان معظم الناس يعتقدون حتى الآن».

الناطق باسم شركة فيليب موريس المنتج الرئيسي للسجائر في الولايات المتحدة، يقول في هذا السياق: إن المجتمع الطبي كان يعلم عن وجود البولونيوم في السجائر منذ عشرات السنين. ويشير إلى أن العنصر المذكور يوجد بشكل حر، ويمكن بالتالي العثور عليه بكميات ضئيلة في التربة أو المياه. والعناصر المشعة قد تصل إلى التبغ أيضاً خلال عملية تسميد الفوسفات. إلا أن فريق كاراغوزيان يشير إلى أنه ومنذ عام 1980 نعرف على سبيل المثال أسلوب «الغسل بالأسيد» (أسيد ووشينغ)، الذي يضمن إزالة معظم البولونيوم المشع من التبغ. وبالرغم من أن هذا الأسلوب معروف منذ ثلاثين عاماً، فإن شركات التبغ الكبيرة لا تستخدمه، لماذا؟

السبب الرئيسي يتحدث عن السعر والتعويضات الكبيرة للفلاّحين الذين يزرعون التبغ، إلا أن كاراغوزيان يتحدث أيضاً عن دافع آخر اكتشفه فريقه، وهو أن عملية غسل التبغ بالأسيد تؤثر على فعالية النيكوتين، وتقلل بالتالي من شعور التأثير الفوري للنيكوتين المعروف باللغة الإنكليزية بـ «إنستانت نيكوتين راش».

«انفثوا إشعاعات على أطفالكم»

بالرغم من أن المتخصصين يعرفون اليوم عن وجود الجزئيات المشعة في دخان السجائر، فإن كاراغوزيان يعتقد أن الوعي ليس كافياً: بعض تلك الجزئيات يبقى فعالاً لعشرات الأعوام. عندما تدخنون، فأنتم تنفثون جزئيات مشعة يتنفسها لاحقاً أفراد عائلتكم، والكلب أو القطة في منازلكم، كم مدخناً يرغب فعلاً في تعريض أطفاله لخطر الإشعاع؟ ويعتقد بأنه يفترض إضافة رمز يحذر من خطر الإشعاع على علب السجائر، ويأمل بألا يتم التعامل مع دراسته على أنها مجرد هجوم آخر ضد شركات التبغ، بل كتحذير بضرورة تغيير الوضع الحالي بأسرع وقت ممكن.

هل تنفع مطاردة المدخنين؟

منذ فرض القوانين الصارمة الهادفة للحد من التدخين، فإن المدخنين يبدون كالحيوانات التي تتم مطاردتها. فقد تقلص عدد الأماكن التي يمكنهم فيها إشعال لفافة تبغ، بينما ترتفع الأسعار بشكل مطرد. لكن يجب علينا أن نكون أكثر صرامة تجاه محبي النيكوتين. سبب ذلك موجود في مقال ستانتون غلانتس وماريالينا غونزاليس المنشور في مجلة لانسيت. وكلاهما خبير في قضية التدخين والتبغ. باختصار، فإنهما وبالاعتماد على الإحصائيات يعتبران أن الحد من التدخين هو الوسيلة الأكثر فاعلية للمساهمة في خفض عدد الذين يموتون بسبب الأمراض غير المعدية، وفي الوقت نفسه بمنزلة طريقة جيدة للحد السريع من النفقات في قطاع الصحة.

على سبيل المثال، انخفض عدد المرضى الذي تم استقبالهم بأعراض انسداد عضلة القلب بعد عام من سريان مفعول القانون المضاد للتدخين بمعدل %17 (وهي نتائج مجموعة من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإيطاليا، واسكوتلندا، وكندا، وإيرلندا، وفرنسا والأرجنتين). وقد انخفضت هذه النسبة بعد ثلاثة أعوام إلى %30. والأمر مماثل لدى المرضى الذين يعانون من أعراض في جهازهم التنفسي. فقد انخفضت نسبة هؤلاء في كندا بعد عامين من سريان مفعول القانون الذي يمنع التدخين في المطاعم بمعدل %33. كما ظهر أيضاً انخفاض واضح في أعراض سرطان الرئة بعد بضعة أعوام، بالرغم من أن التأثير الأكبر سيظهر بعد نحو خمسة عشر عاماً.

ضمان مضاعف!

يعتقد المتخصّصون أن البرامج الهادفة للحد من التدخين هي بمنزلة استثمار جيد جداً. وكمثال على ذلك يستخدمون ما يعرف ببرنامج كاليفورنيا للحد من التدخين، والذي كلف خلال الخمسة عشر عاماً الأولى نحو 1.4 مليار دولار. وقد وفر القطاع الصحي خلال الفترة نفسها نحو 86 مليار دولار (أي ما يعادل %7.3). ولم يغير من ذلك كثيراً التراجع في العائدات الناجمة عن التوقف. ففي كاليفورنيا تسبب انخفاض عدد المدخنين في فقدان المنتج لما يقارب تسعة مليارات دولار من دورة رأس المال. وبلغت خسائر الضرائب من السجائر 3.1 مليارات دولار. بالطبع، فإن كاتبي المقال يذكّران بأن التوفيرات على النفقات الخاصة بالمدخنين تتمتع بعيب، لأنها ليست دائمة. فمعظم المدخنين المتوقفين عن التدخين ينتهون أيضاً في المستشفى (مثلنا جميعاً)، وإن كان ذلك عادة في وقت متأخر وبمضاعفات أخرى، لكن ذلك يحتاج إلى مقال آخر. ولا يمكننا بالطبع لوم الأطباء لأنهم يريدون فعل كل شيء لكي يعيش مرضاهم بوضع صحي أفضل ولفترة زمنية أطول.

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *