مرض التوحد: %3 من الناس مصابون به وهذه هي الأسباب !

قبل وقت ليس بالبعيد، كان التوحد من بين أكثر الاضطرابات العقلية ندرة، فكان يصيب طفلاً واحداً فقط بين كل ألفين إلى خمسة آلاف طفل.
لكن هذه الحقيقة تغيرت تماماً بعد نشر الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع في عام 1994 (دليل تشخيص الأمراض النفسية المستخدم على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم). فسرعان ما ارتفعت المعدلات إلى نحو طفل واحد بين كل مائة طفل. واخيراً ذكرت دراسة كبرى في كوريا الجنوبية قفزة أخرى في المعدلات لتصبح طفلاً واحداً بين كل 38 طفلا ـ وهي نسبة مذهلة، حيث أصبح %3 من السكان عموماً مصابين بالتوحد. ولكن ما هي الأسباب التي قد تكون وراء هذا الوباء؟ وإلى أين نتجه؟
 إن رد الفعل الطبيعي لأي وباء هو الذعر. والآن يخشى الآباء أن يكون كل تأخر في الكلام أو الاندماج في المجتمع ينذر بالتوحد. حتى ان الأزواج الذين لم ينجبوا بعد يقررون الآن تجنب الإنجاب. والآباء الذين رزقوا بأطفال مصابين بالتوحد يبذلون جهوداً يائسة لتحديد الأسباب التي أدت إلى إصابتهم بهذا الخلل. فالخوف من مرض التوحد عظيم، وردود الفعل إزاء الإصابة به غير عقلانية.
خلل آسبرغر
الواقع أن عوامل أخرى لا بد وأن تكون وراء هذا الارتفاع الحاد في التشخيص. فقبل الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع كان التوحد من بين الاضطرابات الأضيق تعريفاً والأكثر وضوحا. فكانت الأعراض لا بد وأن تبدأ قبل سن ثلاث سنوات وأن تشتمل على مزيج واضح وقوي بين عجز اللغة الشديد، وعدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية، والانشغال بمجموعة ضيقة للغاية من السلوكيات النمطية. وأثناء إعداد الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع، قررنا إضافة فئة جديدة تصف شكلاً أكثر اعتدالاً من التوحد (وبالتالي أكثر صعوبة في تحديده وتمييزه)، يطلق عليه خلل آسبرغر، لأن بعض الأطفال أظهروا تطوراً طبيعياً إلى حد ما في استخدام اللغة، ولكنهم كانوا يعانون من صعوبات اجتماعية وسلوكية بالغة. ولقد أدركنا أن خلل آسبرغر من شأنه أن يضاعف معدلات الإصابة بالتوحد إلى ثلاثة أمثالها، لكن هذا لا يفسر المعدل الجديد الذي بلغ واحداً بين كل 38 طفلاً.
وقد يكون التفسير الثاني المحتمل لانتشار التوحد على هذا النحو، أن الحالات التي لم يتم تشخيصها سابقاً أصبح الآن تشخيصها أكثر دقة. وربما كان ذلك أحد العوامل، ولكنه في الواقع عامل ضعيف.

تسمم بيئي أم موضة؟!

النظرية الأكثر شعبية هي أن سماً بيئياً وراء انتشار المرض. ولكن، رغم عدم استبعاد العامل البيئي، إلا أنه لم يحدث أي تغيير بيئي فجائي منذ عام 1994 لتبرير هذا الارتفاع الحاد في المعدلات.
السبب الأكثر احتمالاً لانتشار وباء التوحد يتلخص في أن التوحد تحول إلى موضة ـ صيحة في التشخيص الشعبي. فبعد أن كان المصطلح نادراً وواضحاً، بات الآن يستخدم على نحو فضفاض لوصف الأشخاص الذين لا يستوفون المعايير الضيقة التي حددها له الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع. ويتصيد مشاكل أكثر اعتدالا، كانت في السابق تمر بلا تشخيص أو كانت تعطى مسميات أخرى. فالتوحد لم يعد يُنظَر إليه باعتباره حالة شديدة التعجيز، حتى ان العديد من المبدعين والأشخاص الطبيعيين غير التقليديين اكتشفوا ذواتهم الداخلية الميالة إلى التوحد.
الواقع أن هذا التحول الهائل من التفريط إلى الإفراط في التشخيص كان يتغذى على دعاية واسعة النطاق، والدعم على شبكة الإنترنت، والجماعات الداعمة، وحقيقة مفادها أن الخدمات المدرسية الباهظة التكاليف لا تقدم إلا لهؤلاء الذين تلقوا ذلك التشخيص. فالدراسة الكورية على سبيل المثال، كانت ممولة بواسطة إحدى جماعات مناصرة التوحد، والتي لم تحتفظ بحماسها إزاء المعدلات العالية التي أوردتها التقارير. فمن المعقول أن يُظه.ر %3 من السكان مسحة ضئيلة من التوحد، ولكن من غير المعقول على الإطلاق أن يعاني هذا العدد الهائل من الناس من أعراض شديدة بالدرجة الكافية لتأهلهم كمصابين بخلل التوحد. لذا يتعين علينا أن ننظر على المعدلات الواردة في التقارير باعتبارها حداً أعلى، وليست انعكاساً صادقاً لمعدل الخلل العقلي الحقيقي.

السذاجة والإنترنت

إن الطبيعة البشرية، والمرض العصبي، والخلل النفسي، كلها أمور تتغير ببطء شديد. ولا تظهر السموم البيئية عادة على هذا النحو الفجائي فتجعل حالة ما أكثر شيوعاً بمائة ضعف مما كانت عليه قبل أقل من عشرين عاما. والسيناريو الأقرب إلى التصديق هو أن الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع أعطى التوحد انتشاره بتقديم شكل أكثر اعتدالاً وأقرب إلى الحدود المأهولة للغاية من الحالة الطبيعية. ثم حلق التوحد إلى عنان السماء على أجنحة من الانتشار التعريفي، وعدوى الإنترنت، والحوافز المالية، والتفسير الساذج للنتائج الوبائية.
ومن المنتظر أن يزيد «وباء» التوحد انتشاراً بداية من مايو 2013، عندما تُنشَر الطبعة المنقحة الخامسة من الدليل التشخيصي، إذ أن التعريف «للطيف التوحدي» سيلقي بشبكة أوسع، ليشمل أشخاصاً يُعَدون الآن طبيعيين أو مصابين بخلل آخر. أي أن أعراضهم لن تتغير، بل التسمية فقط.

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *