بعد زيارة الرئيس الأميركي للفاتيكان، انتشر مقطع فيديو لترامب يقف بجوار البابا فرانسيس لالتقاط الصور التذكارية، ثم تنتقل الكاميرا لتُظهر في صورة مقربة يد ترمب تحاول الإمساك بيد البابا فيقوم الأخير بضربها. المقطع كان بطبيعة الحال مزيفاً، إذ كان من الواضح الفارق بين أكمام قميص الرئيس الأميركي في المشهد الكامل والمشهد المقرب ما يعني أن المشهد أُعيد تمثيله. ناهيك عن استحالة حدوث هذا التصرف من الرئيس الأميركي في مثل هذا المحفل.

الفيديو انتشر بشكل كبير جداً وتناقله الناس حول العالم موقنين بواقعيته وحقيقته، إذ أن مجرد خدعة بصرية بسيطة كانت كفيلة بإقناعهم. وهذا للأسف، أحد الجوانب السلبية لثورة الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي وهو افتقارها لمصداقية المعلومة وسهولة تزييف الحقائق التي تصل للكثير من المتلقين الذين يتقبلونها كمعلومة صحيحة.

قد يكون هذا الفيديو مجرد مزحة ستمر دون ضرر، لكنه نموذج مثالي نتعلم منه الشك ومساءلة المواد الإعلامية التي تصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مهما بدت مُقنعة وصحيحة، خصوصاً تلك التي لا نعرف مصدرها، وإذا كانت الخدعة في فيديو البابا بسيطة جداً ومن الممكن أن يقوم بتركيبها أي شخص تقريباً، فإن هناك فيديوات مفبركة تقوم بها برامج متطورة مثل “آفتر إفيكتس” وغيرها تبدو مقنعة إلى درجة لا تقبل الشك. وهنا تكمن الخطورة، خصوصاً إذا ما استغلت ذلك جماعات متطرفة تهدف إلى زرع الطائفية أو تسعى إلى تجنيد المزيد من الأتباع عبر التأثير عليهم بقوة الصورة.

خطورة الرسائل الإعلامية الجديدة دعت صناع القرار في عدد من الدول إلى دعم وتعزيز حضور المؤسسات الإعلامية التقليدية، ففي تقرير لجنة العلاقات الدولية بمجلس اللوردات البريطاني الذي صدر بداية هذا الشهر، أكدت اللجنة في توصياتها “على ضرورة توفير الدعم الكبير للمصادر الموثوقة مثل شبكة بي بي سي الإخبارية وتدريب السفراء على مكافحة الأخبار الزائفة وذلك لمواجهة مساوئ الانترنت المتمثلة في نشر الأخبار الزائفة” وفي فقرة أخرى من التقرير أشار الخبراء إلى أنه “في هذا الوقت الذي تنخفض فيه المصادر المعلوماتية الموثوقة، يتحتم على الحكومة البريطانية الاستمرار في الاستثمار وتوسيع شبكة بي بي سي والمؤسسات الأخرى مثل المجلس الثقافي البريطاني”.

موجة الإعلام الجديد دخلت في حياتنا وغيرت الكثير من ملامحها. أتت بالكثير من الإيجابيات وبعض السلبيات، وإن كان لم يُترك لنا الخيار في الترحيب بها أو رفضها، فعلينا أن نكون أكثر ذكاء وفطنة في التعامل مع محتوياتها وتمييز المزيف منها، والأهم أن نُعلم ذلك للأجيال الصغيرة التي ستكون جزءاً لا يتجزأ من حياتهم.