أحمد عياش – في دارته فوق إحدى هضاب بيروت، كان سيد الدار المكلف تشكيل الحكومة التي ستشرف على اجراء الانتخابات النيابية بعد اشهر، يدرك ان لبنان عند منعطف تغيير ليس فقط على مستوى نيابي فحسب، بل سياسي كبير. وستثبت السنوات المقبلة ان ظنه في محله. قد توحي هذه السطور ان الكلام يدور حول الرئيس المكلف تمام سلام الذي يسعى الان بكل جهده الى انجاز مهمته في اسرع وقت كما تعهّد. لكن المقصود بهذا الكلام هو والد الرئيس المكلف الرئيس الراحل صائب سلام الذي دشن حياته السياسية رئيساً للوزراء بترؤس حكومة انتخابات عام 1953، أي قبل 60 عاما.في ذلك الزمن كان لبنان يستعدّ لوداع أول عهود الاستقلال، أي عهد الرئيس بشارة الخوري الآتي من قلب التغيير العالمي الذي فرضته الحرب العالمية الثانية، ليستقبل عهد الرئيس كميل شمعون الذي غرق في تجارب الحرب الباردة بين الجبارين الاميركي والسوفياتي في حوادث 1958 الشهيرة.
اليوم, وفي الثلث الاول من سنة 2013 يقف تمام سلام على مفترق زمن فيه شيء من حرب باردة من بقايا زمن سوفياتي –اميركي، لكن بعد زوال الامبراطورية السوفياتية وتبدل احوال الامبراطورية الاميركية، واشياء من حرب ساخنة غرقت فيها المنطقة ومعها لبنان بعدما ظن صغار الحرب الباردة من ديكتاتوريي العالم العربي وآخرهم السوري، والعالم الاسلامي وآخرهم الايراني أنهم كبار. وليتخيّل المرء الان كيف ستكون احوال لبنان سنة 2019، مستفيدا مما حصل عام 1958.
في دارة العائلة أجرى سلام استشارات غير تلك التي اجراها الاسبوع الماضي في البرلمان، وشملت وفودا من المجتمع المدني والهيئات الاقتصادية التي عبّرت عن تطلعات خارج قاموس زمن الادارة السورية وتداعياته.فهذه الوفود التي تسأل عن الامن والكهرباء وارساء البيئة الجاذبة للاستثمارات وفرص العمل واعطاء المرأة فرصة مماثلة لما لنظيرتها في افريقيا، تتحدث بلغة غير تلك التي دارت ولا تزال في أروقة بارونات العهد السوري أو بارونات خلقها هذا العهد قبل رحيله تحت وطأة ثورة الاستقلال عام 2005. ومن غرائب هذه الاروقة انها لا تزال تفتش عن وسيلة لامتصاص رحيق هذه الوزارة الخدماتية او تلك، ولو لاشهر من عمر حكومة الانتخابات المقبلة، غير آبهة بأن عافية لبنان قد جف ضرعها. وهي تلوّح منذ اليوم بتصنيفات لكل من يقف امام شراهتها بأنه خارج عن الطائفة وآت من دوائر المخابرات، وأشهرها الاميركية! في المقابل، يتحدث سلام بلغة جديدة لم تألفها اسماع المتعطشين الى امتصاص المال العام، فهو يدعو الى حكومة نظفاء يديرون خزينة “نظّفها” الشطار من قبلهم والذين لا يشبعون. ان سلام يريد حكومة تصوم بضعة أشهر عن الفساد كي تتفرّغ البلاد للعبادة في زمن التغيير الذي يزلزل المنطقة. انه مطلب متواضع سيسجل في مصلحة لبنان اذا ما نجح سلام في تأليف حكومة “المصلحة الوطنية”. اللبنانيون بأكثريتهم الساحقة يريدون ان ينجح سلام في هذا التأليف.