و في سياق ما اعلنت اميركا عزمها على ممارسته من ضغوط ، لجأت الى العمل على الخطين السياسي و العسكري , و لجأت الى مجلس الامن من باب “المساعدات الانسانية للشعب السوري “، و اعلنت في الوقت نفسه عن اطلاق اوسع عملية تحضير و تحشيد للقوى على الجبهة السورية الجنوبية لشن هجوم على دمشق “يعيد التوزان الى الميدان ” ، و هو التوزان الذي اختل ثم فقد منذ ان انطلقت سورية في عملياتها الدفاعية وفقا لما بات يعرف ب “استراتيجية الاسد” التي اعتمدت بنجاح باهر منذ ايار 2013 .
و الان بات الحديث عن الهجوم ذاك بالقيادة الاميركية يشكل الموضوع المحوري و الاساسي في المسائل ذات الصلة بالازمة السورية ، حديث يتقدم على اي شأن آخر خاصة بعد ان فشلت اميركا في اقتناص قرار من مجلس الامن يحرج الحكومة السورية و يمهد الطريق لترخيص دولي ما ، من اجل العمل العسكري ضدها ، حيث اضطرت تحت تهديد روسي بالفيتو الى شطب كل العبارات و الاشارات الى مثل ذاك الاحتمال ، و جل ما استطاعت الاحتفاظ به هو وضع القضية تحت المراجعة الشهرية لمجلس الامن ، و ذكر اسماء بعض المناطق التي تهم الجماعات المسلحة الارهابية ، لتزويدها بالمساعدات ، و هذا بطبيعة الحال لن يعطي اميركا شيئا مما تصبو اليه ، خاصة و ان القرار صادر تحت الفصل السادس اولا و انه في تنفيذه رهن باحترام السيادة السورية و مراقبة الحكومة و لن يكون هناك عمل من اي جهة دولية بشكل مستقل او بعيد عن قرار و مراقبة الحكومة السورية وفقا لطبيعة الامور .
و بالنتيجة فاننا نرى ان اميركا اخفقت مرة اخرى في مجلس الامن ، و كذلك لم تستطع ان تقنع احدا من العقلاء بانسانيتها المفقودة اصلا ، و لن يصدقها احد في حرصها على الشعب السوري خاصة و انها استبقت قرار مجلس الامن بالاعلان عن قرار ارسال السلاح الى الجماعات الارهابية للقيام بقتل الشعب السوري ، كما لن ينسى احد ان ما فرضته من عقوبات على هذا الشعب تسبب بالمآسي الكبيرة له ,
و الان مع هذا المشهد و تصاعد الحديث عن العمل العسكري ضد سورية انطلاقا من الاردن بواسطة او بقناع الجماعات الارهابية المسلحة ، و مع الكر و الفر في مواقف الاطراف ذات الصلة بالامر و السلوكيات المتعلقة بهذا الشأن ، يعود الى الواجهة السؤال حول جدية التهديد هذا ، مقرونا بالسؤال عن طبيعة هذا العدوان اذا نفذ التهديد بالشكل الذي يروج له .
1) بداية و في مقاربة للاجابة نرى من المفيد التوقف عند ما اعلن من اعمال تحضيرية لهذا الامر و ما حدد له من اهداف ميدانية و سياسية و استراتيجية جاءت على السنة المعنيين بتنفيذه او الهادفين للاستفادة من نتائجه . و في هذا السياق نذكر :
– الاجتماع العسكري الامني الذي عقد في واشنطن منذ اسبوعين بالموازاة مع انتهاء الجولة الثانية من جنيف 2 و التي تأكد فيها الفشل الاميركي في الضغط على الحكومة السورية ، اجتماع رشح عنه انه اتخذ القرار بالهجوم انطلاقاً من الاردن و وزعت الادوار على الحاضرين من دول اقليمية بما فيها اسرائيل و السعودية و تركيا ، او دول اروبية .
– تدريب 2500 شخص في الاردن و تعزيزهم ب 1500 قيل انهم من العسكريين الفارين من الجيش السوري و الملتحقين في ما يسمى “جيش حر” لتشكيل رأس الحربة في الهجوم بعيدا عما يسمى متطرفين من ارهابيي النصرة و داعش .
– اعادة هيكلة ما يسمى “اركان الجيش الحر ” و تعين عميد فار من الجيش العربي السوري رئيسا لها ، و اختياره لهذه المهمة نظرا لما قيل عنه بانه يملك من خبرات في حوران و طبيعة العمل العسكري فيها فضلا عن تبعيته المطقة للسعودية ، التي تدير الملف السوري باوامر اميركية عبر مدير جديد بعد عزل بندر عقابا له على الفشل في سورية .
– الاعلان عن تجهيز التشكيلات و الجماعات المعدة لتنفيذ العدوان باسلحة حديثة و متطورة من اميركا و اروبا و اسرائيل مباشرة الى الاردن او عبر السعودية و بتمويل منها و يركز هنا على الاسلحة المضادة للطائرات و الدروع .
– تسريبات استخبارية بريطانية عن استعدادات اميركية جوية حول سورية تحضيرا لاحتمال القيام بعمل اسناد ما فيها و ذكر هنا وصول طائرات ال ب 510 و ب 520 القاذفة الاميركية الى القاعادة بريطانية في قبرص ، كما ذكرت تحضيرات خاصة في قاعدة انجرليك في تركيا ، فضلا عن تأهيل مطارات ظرفية في شمال الاردن . و شملت التسريبات الاستخبارية ايضا الاعلان عن حركة اساطيل غربية فرنسية و بريطانية و اميركية باتجاه الشاطئ الشرقي للمتوسط مقابل الساحل السوري .
– الاعلان عن زيارة رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لجرحى الجماعات المسلحة الذين يتلقون العلاج في المستشفيات الاسرائيلية ، اعلان جاء بمثابة المجاهرة في الانخراط العلني المباشر في العدوان على سورية و الايحاء لمن يعنيه الامر بان اسرائيل انتقلت من الدعم في الخفاء الى الدعم العلني المباشر مع ما يترتب على ذلك من مقتضيات .
– في مقابل كل هذه السلوكيات و المواقف و مفردتها المتنساقة في تكامل يوحي بان قرار الهجوم اتخذ و باتت المرحلة التحضيرية في اوخرها تمهيدا للانتقال الى التنفيذ خرج الاردن في مواقف تنفي رسميا على لسان وزير داخليته وجود الالاف من المسلحين على اراضيها ، و تؤكد بانه لن يسمح بعبورهم من و الى سورية ، و لكن لا نرى قيمة فعلية للنفي الاردن مع اليقين الذي جمعته وسائل استخبارات و مراكز دراسات محايدة تؤكد وجود مخيمات التدريب الاميريكية باشراف C.I.A و الاعلان الاميركي عن الجسر الجوي الى الارن لنقل السلاح الى الارهابيين و وجود غرفة العمليات العسكرية برئاسة امير وهابي سعودي هناك .
2) اما على صعيد التنفيذ والهدف الرئيسي من الهجوم فقد تعمدت الجهات المعنية به تسريب بعض المفردات و الجزئيات التي اذا جمعت و ركبت تقود الى القول بان القوى المعتدية ستنفذ في مرحلة اولى خرقا سريعا بعمق 75 كلم ليصل الى مشارف دمشق ، و في مرحلة ثانية ستتصل القوى المندفعة الاتية من الاردن بقوى من “الجبهة الاسلامية ” المرتبطة بالسعودية و لديها قوى تنتظر في محيط دمشق ، ثم تطوق المدينة من الغوطتين الشرقية و الغربية تحت عنوان فك الحصار عن الغوطتين ، و في مرحلة ثالثة تقوم بتوسيع محور الخرق بعرض 25 على الجانبين . و يتوقع المخطط ان تستهلك العملية في مراحلها الثلاث ما بين الاسبوعين الى الثلاثة تنتهي مع بدء زيارة اوباما للمنطقة في الثلث الاخير من اذار المقبل . و لهذا يستبعد العودة الى جنيف قبل هذا التاريخ ، و يرى البعض ان الغاية الاساسية المضمرة من قرار مجلس الامن تحت العنوان الانساني تبرير مثل هذه العلملية و لهذا جاء في نص القرار عبارات “عبر الحدود” و” فك الحصار” و ذكرت “الغوطتين ” .
هذه هي الخطة العدوانية و تحضيراتها و اهدافها كما يبدو فهل تنفذ ؟
في دراسة و تحليل للخط البياني للعدوان على سورية ، و لخط المقاومة و الدفاع عنها نجد ان الاول في انحدار رغم كل ما يحاول ان يوحى بعكسه ، بينما الثاني في تصاعد رغم كل ما يحاول الخصم حجبه . و ان ما تحضر له قوى العدوان ليس بعيدا عن اعين قوى الدفاع و ايديها ، و لهذا نجد كيف بادرت القيادة السورية الى التدابير الاستباقية بتدمير نقاط ارتكاز المسلحين في الجنوب و تخصيص القوى المؤهلة لاحتواء العدوان و تدميره ان حصل و في مهل اقل بكثير مما يتصور مخطط العدوان نفسه . و من جهة اخرى يجب ان لا ننسى قدرات العدو الاستخبارية و قدرته على معرفة ما يجري و ما يحضر له في الميدان السوري في معرض الدفاع عن سورية عامة و عن دمشق خاصة لذلك نقول ، بان كل ما يقال حتى الان عن هجوم من الجنوب للوصول الى دمشق ، يندرج في اطار الضغوط و الحرب النفسية التي تقودها اميركا لوقف عملية القلمون التطهيرية التي شارفت على نهايتها و لتحسين شروط التفاوض في جنيف عندما يقرر العودة اليها ، و هي خطة عدوان لن تنفذ الا في حال ضمنت اميركا نجاحا مؤكدا فيها لانها في وضع لا يسمح لها بالمقامرة و المغامرة غير المحسوبة و هي لم تعد تحتمل دحرجة المزيد من رؤوس الدمى و الادوات التي استعملتهم في العدوان على سورية منذ نيف و 3 سنوات بدءا من الحمدين في قطر وصولا الى بندرالوهابي السعودي مع ترنح التركيين اردغان و اوغلو و انهيار منظومة الاخوان المسلمين … و هي تعلم بان الفشل هذه المرة قد يكون الاخير الذي سيقود الى الاعتراف الاميركي بالهزيمة في سورية امام محور المقاومة و الدفاع ، و عندها سيكون شأن آخر …
أمين حطيط