إكس خبر- أظهرت اللقاءات الأخيرة بين المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين استمرار الخلاف بين الجانبين حول طريقة مقاربة الملف النووي الإيراني، والنظر إلى التسوية النهائية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد أعاد ذلك طرح السؤال الأساسي، هل أن الخلاف بين الادارتين الأميركية والإسرائيلية حول هذه القضايا هو خلاف استراتيجي أم تكتيكي؟.
من يعرف طبيعة العلاقة الأميركية ــ الإسرائيلية يدرك جيداً أنها علاقة عميقة وعضوية، وهذا يعني أنها علاقة إستراتيجية، فهي بالنسبة لإسرائيل كالمريض الذي لايستطع الاستغناء عن المصل، ويحتاج إليه بصورة دائمة كي يبقى على قيد الحياة، وهي بالنسبة لأميركا حيوية لحماية مصالحها في المنطقة والمتمثلة بالنفط حيث تشكل إسرائيل القاعدة الأميركية المتقدمة في قلب المنطقة التي تشكل الضمانة الإستراتيجية للحفاظ على هذه المصالح.
وقد جاءت المناورات الأميركية ــ الإسرائيلية الحالية لتشكل رسالة واضحة بأنه مهما حصل من توترات وخلافات بين تل أبيب وواشنطن بشأن بعض المسائل فان ذلك لن يؤثر على متانة التحالف الاستراتيجي بينهما.
إذا الخلاف ليس استراتيجياً، وإنما هو خلاف تكتيكي، فما هي طبيعة هذا الخلاف إذاً؟
اولاً: في موضوع التسوية فإن الرؤية الإسرائيلية تقوم على أساس أن هناك فرصة متاحة الآن أمام إسرائيل لقطف كل ما تريده من إعلان يهودية الدولة إلى تهويد كامل القدس وجعلها عاصمة موحدة للدولة، وصولاً إلى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل نهائي، وبالتالي التعامل مع حقوق الفلسطينيين على أساس أنهم أقلية تعيش ضمن الدولة اليهودية لها حق الحصول على حكم ذاتي لإدارة شؤونها، أما الولايات المتحدة فترى أن الظروف الآن في المنطقة والعالم في طريقها إلى التبدل في غير مصلحتها واستطراداً في غير مصلحة «إسرائيل»، وأن التسوية التي تتحدث عنها «إسرائيل» غير قابلة للتطبيق لأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يستطيع القبول بها، وهي ستؤدي إنهاء المفاوضات وبالتالي إلى تفجير الوضع، وعليه فان من مصلحة «إسرائيل» أن تكون واقعية وتتصرف بحكمة ودراية، وتقبل بتقديم التنازلات عن مواقفها المتصلبة، وتوافق على حل يمكن عباس من تسويقه فلسطينياً وعربياً، وتحصل بموجبه «إسرائيل» على تشريع كامل لوجودها مع المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية والقدس، ويتم إيجاد حل لموضوع الأماكن المقدسة والقدس الشرقية، والحدود مع الأردن.
وتنطلق الولايات المتحدة في تسويقها لهذا الحل من رؤية تقول أن أميركا تستطيع الآن أن تساعد «إسرائيل» لفرض هذا الحل، أما بعد فترة فان الأمور ستكون صعبة لان الوضع الدولي والإقليمي سوف يتغير وتنشئ معادلات جديدة بدأت ترسم معالمها منذ الآن انطلاقاً من موازين القوى الجديدة التي سترسو عليها على ضوء عودة روسيا لاعباً دولياً قوياً والتسليم بدور إيران كقوة إقليمية والفشل في إسقاط نظام الرئيس الأسد، واستطراداً الفشل في التخلص من المقاومة في لبنان.
ثانياً: أما في الموضوع الإيراني، فان النظرة الإسرائيلية تنطلق من القلق الإسرائيلي من تنامي قوة إيران وتريد توجيه ضربة لها الآن أو مواصلة فرض الحصار الاقتصادي عليها، لكن» إسرائيل» في الوقت نفسه لا ترى المخاطر الكبيرة التي تنجم عن محاولة توجيه ضربه عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، والتي ستدفع المنطقة إلى حرب واسعة لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه من نتائج على أمن إسرائيل، والمصالح الأميركية في المنطقة.
في حين أن أسلوب القوة الناعمة لعزل إيران وتفجير التناقضات داخلها فشلت لأنها غير ممكنة التطبيق إلا من جانب الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية فقط، فيما تطبيقها في المرحلة السابقة أدى إلى نتائج سلبية عكسية على الدول الأوروبية التي تحتاج إلى البحث عن المزيد من الاستثمارات والأسواق الخارجية لمعالجة أزماتها الاقتصادية والمالية المتفاقمة.
والاستمرار في سياسة حصار إيران سيحرم هذه الدول من الاستثمار في سوقها الواعدة والمهمة، ويجعلها مفتوحة فقط أمام الروس والصينيين الذين يشكلون المنافس الاقتصادي القوي للغرب على المستوى الدولي.
انطلاقاً من ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى أن تكون أكثر براغماتية فتأخذ من إيران ما يمكن أن تحصل عليه، وهو ضمان عدم تحول برنامجها إلى برنامج لتصنيع الأسلحة النووية وإبقائه في الإطار العلمي البحت، غير أن «إسرائيل» ترفض هذا الحل وترى أنه سوف يجعل إيران تملك القدرة على تصنيع القنبلة النووية متى شاءت طالما أنها امتلكت انتاج الطاقة النووية بقدراتها الذاتية.
هذه الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، وأن كانت قد أدت إلى توقف المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية نتيجة التعنت الإسرائيلي المستمر ورفض حل الدولتين، إلاّ أنها لم توقف المفاوضات بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحداً للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي الإيراني لأن الأمر ليس بيد «إسرائيل» وإنما بيد واشنطن.
أما الاعتقاد لدى البعض بان إسرائيل قد تقدم على توجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني من دون إذن أميركا، فانه غير ممكن لأن الأمر يتجاوز حدود المصلحة الإسرائيلية، وكذلك القدرة الإسرائيلية، فتوجيه ضربة عسكرية لإيران يحتاج إلى مساعدة أميركية أساسية، في حين أن واشنطن لا يمكن أن تسمح «إسرائيل» بتوريطها في حرب واسعة في المنطقة في وقت اعتمدت إستراتيجية الانسحاب من الحروب بعد فشل حربي العراق وأفغانستان.
صحيح أن هناك تداخلاً في العلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية، ولدى «إسرائيل» نفوداً دخل واشنطن، وتحديداً في قلب الكونغرس نتيجة قوة اللوبي الإسرائيلي في أميركا وتغلغله داخل مؤسسات الدولة الأميركية، ومراكز صنع القرار فيها، إلاّ أن لأميركا أيضا نفوذاً كبيراً داخل «إسرائيل»، عدا عن انه عندما يكون الأمر يمس مصالح أميركا في المنطقة، وليس فقط مصلحة «إسرائيل» فان الإدارة الأميركية لا يمكن أن تتساهل أمام «إسرائيل»، وتسمح لها بتعريضها للخطر.
لذلك وجدنا أن الخلاف الأميركي ــ الإسرائيلي حول الموقف من إيران قد تراجعت حدته في العلن، وأصبح في إطار اللقاءات والاجتماعات الثنائية، وهو ما يعكس تسليم المسؤولين الإسرائيليين بعدم إمكانية تغيير وجهة المفاوضات الغربية مع إيران.
بعد أن اتخذت واشنطن قرارها الاستراتيجي بالانفتاح على طهران باعتباره أقل كلفة من شن الحرب أو مواصلة الحرب الاقتصادية.
ويؤكد ذلك أن اسرائيل لا تستطيع السير بعكس ما ترغب به أميركا، وأن الأخيرة عندما تقرر أمراً فان قرارها هو الذي سيسري وعلى «إسرائيل» الانصياع له.