بيان “خطير جداً” إلى الرأي العام

إكس خبر- في الوقائع الجارية، المرجَّح استمرارها، يتطلّع المتشوّقون إلى ألعاب الخفّة السياسية. من شأن هذه الألعاب أن تفضي، ربما، إلى تخريج صورة الرئيس المقبل للجمهورية، ضمن المهلة الدستورية المنتهية مفاعيلها قانونياً في الخامس والعشرين من أيار الجاري. لكنْ، أياً تكن النتيجة، لا لزوم للتشاؤم، ولا للقلق على المصير. فهذه ليست التجربة المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة. في السيناريو الافتراضي، لا بدّ أن يحضر الجميع في اللحظات الحاسمة، للمشاركة في اللعبة الشائقة (هل نقول القذرة؟!). لا ضرورة للتعجيل في معرفة مواقيت هذه اللحظات الحاسمة، ما دامت القضية ستنتهي على خير. البلاد في الفراغ الجوهري، برئيسٍ، ومن دونه. ولن يكون ثمة فراغٌ أفدح. اطمئنّوا: كلٌّ يواصل أشغاله، ونحن نواصل أشغالنا.

 

أشغال الآخرين معروفة وموضع اهتمام، أما أشغالنا فلا هي معروفة، ولا هي موضع اهتمام. هذا لشيٌ حسنٌ للغاية. فليواصل الساهرون على الشأن العام سهرهم، وليمعن السياسيون والأمنيون ورجال المال والسماسرة والأنذال وصغار الدهر وأهل الدين والدنيا. وليفحشوا إذا طاب لهم أن يفحشوا. هل ثمة ما هو أجمل من الفحش! لا تُرهِقوهم بالمطالبات، ولا تحمِّلوهم ما لا طاقة لهم على الاحتمال. هوِّنوا عليهم، لئلاّ يرتكبوا ما لا تُحمَد عقباه، فيفسد العطّار ما صنعه الدهر.

هاي. مرحبا أيها القرّاء. أعيرونا انتباهكم قليلاً. القليل من الانتباه، فقط لا غير. ثمّ عودوا إلى متابعة هموم الشأن العام.

هاكم بعض ما عندنا لهذا الأسبوع، من غوايات الفرجة اللذيذة.

تأمّلوا حسين ماضي هذا. وخذوه بأناقة شياطينه وأشكاله. نحن ذهبنا إلى معرضه في “البيال”، وسرقنا حصانه الأهوج. قلنا، نجيء به إلى هنا؛ معنا العشيقان الأهوجان، واحدٌ من أمام، وواحدٌ من وراء، يلاعبان الجمر المشتعل، وفي فم العصفور ترويضُ ما لا يُرَوَّض. وفي فمه كسرُ اليأس بغيومٍ فادحة. الغيوم؛ كتلك التي تصنع أشكالاً لحياةٍ من هباءٍ، أو من لا شيء. كمرورٍ فوق هاوية. حيث لا وقت للنزول إلى قاع. كتفجيمٍ للاجدوى. كتمريغٍ للزبانية. كتزخيمٍ لأحصنة التخييل. كحال الهواء عندما يكون تكثيفاً للهواء بعد تفريغ الفراغ منه. كجنحةِ لحظةٍ آن تراوغ العدم لتفوز عليه.

هل قلنا الحصان الأهوج والعشيقين وفم العصفور؟ فليكن.

خذوا تأجيج المستحيل بما يُرى باليدين. كمثل الإنصات إلى ما لا يُقال إلاّ بوجع الرفيف. كبداية الوقت. كبداية كلّ شيء. من مثل ما يُملي على الجمر أن يكون مستثاراً بذاته. أي أن يكون مستثاراً بفكرة الاشتعال. هذا ما يسبق أفعال المادة والعقل. دائماً ما يسبق أفعال المادة والعقل. كرنين الهوس في التهلكة الممتعة.

 

ماذا أيضاً أيها الأمل الأهوج؟ ماذا أيضاً أيها الحصان الفالت في المطلق؟

تيئيس اليأس. ولا هوادة. كالسرعة إذ تخترق سرعة الصوت، وليس لها ما يعادلها سوى برهة الصنوج التي تدوّي في القلب. كعينين عندما تقرّران. كاللاشيء عندما يضطر أن يتجسّد. كهجسٍ عندما لا يتنازل عن هجسه. كمرآة لا ترى إلاّ خيالها، وهي مغمضة.

هذه هي المعادلات. ثمة غيرها الكثير. وهي أشغالنا. وإلاّ كيف يكون حلمٌ. وإلاّ كيف يكون خلقٌ. وكيف تكون حرية؟!

يأتينا القتل من كلّ صوب؛ من فوق. من تحت. من يمين. من يسار. من أمام. ومن وراء. أما الشعر فمِن لا مكان.

مَن أقوى، يا ترى: القتل أم الشعر؟ الديكتاتور أم النهر إذ يزعزع الأرض التي يقف فوقها القاتل، حامل السكّين؟

 

خذوا حسين ماضي، بأناقة شياطينه وأشكاله، تُحقِّقوا الفوز المبين.

النساء كلّهنّ منشغلات. لا بأس. العصافير جميعهم ذهبوا إلى الحفلة. الهررة والثيران والزهور وأشكال الجمال الافتراضي. ثمّ تأمّلوا الديكة أيها القرّاء. ثمّ هل شاهدتم الساحر في عيده؟!

مَن يفوز على مَن؟ الفراغ أم الملء؟ الطاغية أم الفنّان؟

الحبيبة، الأمّ، الطفل، القتيل، الشاعر، الروائي، الرسّام، النحّات، الموسيقيّ، الناسك؛ جميع هؤلاء، وكلٌّ فرداً فرداً، يركّعون الطاغية تركيعاً معنوياً، لأنه لا يستطيع أن يأتي بأيّ فعلٍ يوازي أفعالهم.

لا بدّ أن الحاجة عظيمة لمَن يركّع الطاغية تركيعاً حسياً. وفقط من أجل الحرية.

أيتها الخيول، نهباً انهبي الأرض. وافعلي أكثر. أكثر. لكي لا يكون ثمة فجوةٌ لوقتٍ يتسلّل منه يأس.

 

الفجيعة تتجمّل بالحسّ. الحسّ يتجمّل بأشكاله مُكثِّراً الليل. والليل يصنّع عالم الخيال المحدق بحرية الموتى والأحياء.

الجرح لا ليندمل، وإنما ليفتح الوجع على خياله.

الفنّ لا ليُشهِد، أحياناً، على حقيقة، وإنما ليخلقها. كحسين ماضي هذا. وكهذا الفنّ الذي كلما أمعن ازدادت حقيقته توليداً لذاتها؛ علماً أنها ليست بحقيقة.

أحياناً، كهذا الذي أمامنا، يمنحنا الفنّ أن نتذكّر خلايانا التي تكهرب مغناطيس اللذة وتُنتج عبقرية الانتشاء.

كنزقٍ كونيّ يتوهّج كلما ارتهز قطباه خلال ارتطامهما الضدّي.

هاي. مرحبا أيها الفنّ. هستِرْ حياتنا. فخِّخ عقول أهل الشأن العام. طعِّجْها بأشكالكَ. لوِّثها بجبلة ألوانكَ. أما نحن فجمِّحْ وجودنا. لنصير خيولكَ أو كائناتكَ الصالحة للرعشة.

 

جنِّنْ أوقاتنا بأوقاتكَ أيها الرسّام النحّات. مَجِّن الليل؛ ما قبل وما بعد. ما من مكانٍ آخر نذهب إليه. إلى مصائرها تذهب الشعوب. والهواء يذهب إلى مصائره الممتازة. أنا، وصحبي، من أهل المصير الذي يلقاه أتباع الهواء. فنعمَ المصيرُ نتلقّاه من فم ذلك العصفور!

 

يخيَّل إليَّ أنكَ تنتقم. لستُ أدري ممَّ تنتقم. لكنكَ حسناً تفعل. كم عليك أن تواظب على نحت العدم، ورسمه، لتخلق أشكالاً توازي ما نحتاج إليه من انتقام.

 

هل يرتوي انتقامكَ؟ لا تُجِب عن السؤال يا حسين. قهقِهْ كمَن يملك فنون القهقهات كلّها. مَن مثلكَ يقهقه ساخراً في وجه المعادلات، مروِّضاً إياها؟! كسِّر صحون المواضعات. كسِّرها لكي لا يبقى صحنٌ واحد على طاولة الشأن العام. فليكن رنين الكسور صناعتكَ الفريدة.

وإلاّ كيف يستتبّ لنا الوقت الجميل!

هاي. مرحبا أيّها القرّاء. أعيرونا انتباهكم قليلاً. ثم تابِعوا شجون الشأن العام.

في مقدور الجرح أن يغرق في الجرح. في مقدور الليل اللبناني أن يمعن تيئيساً. لكن في مقدور الحصان الأهوج أن يسافر بلا هوادة؛ على صهوته العشيقان الأهوجان، وفي فم العصفور هواء الحرية كلّه.

 

أما أنتَ يا حسين، فقهقِهْ. وليكن فعلكَ الشيطاني هذا، بياننا الخطير إلى الرأي العام!

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *