إكس خبر- تنشد الأنظار هذه الأيام نحو مصر، مع إعلان المشير عبدالفتاح السيسي ترشحه للانتخابات الرئاسية، ورسو المعركة الانتخابية على التنافس بينه وبين المرشح حمدين صباحي رئيس التيار الشعبي الناصري. فجميع دول العالم، في الغرب والشرق، ترقب هذا الحدث الهام، لما سيتمخض عنه من نتائج واستطراداً من سياسات مستقبلية ستسير فيها مصر بقيادتها الجديدة برئاسة السيسي، أو صباحي، في ظل اكتمال تشكيل مؤسسات النظام الجديد المتولد من رحم ثورة 30 يونيو بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين.
وفي مقدمة الدول المهتمة بدرجة كبيرة بالتطورات في مصر، والانتخابات الرئاسية، وبرامج المرشحين وطبيعة السياسات التي سيعتمدها الرئيس الفائز، هي الولايات المتحدة الاميركية، ومن ورائها إسرائيل لما لمصر من دور كبير ومؤثر في المنطقة في الحالتين:
ـ في حالة كانت جزءاً من المحور الغربي الأميركي – الإسرائيلي كما حصل بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
ـ وفي حالة خروجها من فلك هذا المحور، وانتهجت سياسات مستقلة بعيدة عن التبعية، وتنطلق من مصالح مصر الوطنية والقومية.
ولذلك فان الرئيس المقبل لمصر سوف يقرر مصير وطبيعة وشكل العلاقات المصرية مع كل من أميركا وإسرائيل، والدول الغربية عموماً، وتالياً سيحدد موقع مصر في خارطة العلاقات والتوازنات في المنطقة والعالم، وسيكون لذلك انعكاسات كبيرة عليها لما لمصر من موقع مؤثر على هذا الخارطة التي بدأت تتشكل من جديد على خلفية التراجع والتقهقر في نفوذ وهيبة الولايات المتحدة الاميركية، وتقدم وازدياد نفوذ روسيا والصين وحلفائهما في العالم.
من هذا المنطلق يمكن لنا إدراك أسباب الاهتمام الأميركي بالأحداث في مصر، وفي نفس الوقت تعبير المسؤولين الأميركيين عن قلقهم لما يصدر عن السيسي من مواقف تؤكد على استقلال مصر والعمل على استعادة دورها ومكانتها، ورفض التدخل بشؤونها الداخلية وضرورة تنويع مصادر سلاحها حتى لا تبقى رهينة لأية ضغوط أو ابتزاز خارجي، وبالتالي رفض الابتزاز الأميركي لمصر بوساطة المعونة العسكرية.
وإذا كان ينتاب واشنطن القلق من مواقف السيسي فان ذلك إنما يؤشر إلى خوفها من احتمالات خروج مصر من فلك الإستراتيجية الاميركية، أو أقله الاتجاه نحو إقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى في العالم، ومن الأكيد هي اكثر قلقاً من صباحي الذي لا يخفي سعيه في حال فوزه إلى تحرير مصر من قيود التبعية للولايات المتحدة، والعودة بمصر إلى انتهاج سياسات قومية داعمة لقضية فلسطين ومقاومتها في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
إن الولايات المتحدة لايهمها من يكون رئيساً في مصر، السيسي، أو صباحي، بقدر ما يهمها مستقبل علاقاتها مع مصر، وتالياً المحافظة على السياسات المصرية التي انتهجت على مدى العقود التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والتي تتجسد في المحاور الأساسية التالية:
المحور الأول: العلاقة الإستراتيجية القائمة بين أميركا، ومصر في شتى المجالات السياسية والأمنية والعسكرية، والتي جعلت من مصر قوة محورية أساسية في تنفيذ الخطط والسياسات الاميركية في المنطقة.
المحور الثاني: العلاقة المصرية – الإسرائيلية التي تنظمها اتفاقية كامب ديفيد، وأدت إلى إخراج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني.
المحور الثالث: العلاقات الاقتصادية التي ربطت مصر، دولة وسوقاً، بالتبعية لأميركا ودول الغرب، وجعلت منها مكاناً رحباً للاستثمار من قبل الشركات الاميركية ورؤوس الأموال الغربية التي تجني الإرباح الطائلة في مصر نتيجة التسهيلات المقدمة لها على حساب التنمية الاقتصادية في مصر. واليوم أميركا قلقة من تبدل هذه السياسات المصرية باتجاه:
1 – إقامة علاقات مع روسيا، وهو ما تجسد في إعادة إحياء علاقات التعاون العسكري بين البلدين، خلال زيارة وزيري الدفاع والخارجية المصريين إلى موسكو، وتوقيع صفقة سلاح بين البلدين بقيمة أربعة مليارات دولار، ما يعني عدم استمرار مصر بالاعتماد على شراء السلاح الأميركي وتنويع مصادر سلاحها.
2 – العلاقات المصرية – الإيرانية والمتزامنة مع جهود تبذل بين طهران والقاهرة لتحسين هذه العلاقة على نحو يتجاوز حدود ما ترسمه السقوف الاميركية للعلاقة مع إيران.
3 – وضع نهاية لدور مصر كحارس لأمن الكيان الصهيوني، وما يعنيه ذلك من تقويض اتفاقية كامب ديفيد وانعكاسات سلبية على إسرائيل وبداية خسارتها المكتسبات التي حققتها منذ توقيع هذه الاتفاقية.
هذه المحاور الأساسية هي التي ستحدد موقف الإدارة الاميركية وأسلوب تعاملها مع الحكم الجديد في القاهرة، فكل ما يهم أميركا أن تبقى مصر تدور في فلك الإستراتيجية الاميركية، ولا تخرج عن سياقها بغض النظر من يكون رئيساً في مصر، أن كان إسلاميا، أو ناصرياً، أو عسكرياً، أو ديكتاتورياً مستبداً، لان ما يعني أميركا مصالحها في المنطقة، وأمن إسرائيل ومن يحقق هذه المصالح.
ولهذا فان واشنطن تمارس الضغط على مصر سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للحيلولة دون حصول تبدل في السياسة المصرية لا ينسجم مع الاستراتيجية الاميركية المذكورة آنفاً.
غير أن لسوء حظ أميركا، أن الظروف الداخلية المصرية، وتوازن القوى في الشارع المصري لا تميل لصالح الخضوع لهذه الضغوط الاميركية، وإنما تدفع باتجاه تحرر مصر من التبعية لسياسة الولايات المتحدة وتحقيق استقلال مصر.
كما أن الظروف الدولية تضعف من قدرة واشنطن على ابتزاز مصر بسلاح المساعدات الاقتصادية والعسكرية لسببين:
الأول: تراجع قوة ونفوذ أميركا والغرب عموماً بعد الهزيمة في العراق والفشل في أفغانستان، وتفجر الازمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في الدول الغربية، وانكشاف عجزها عن معالجتها، عبر العودة إلى فرض هيمنتها على العالم بواسطة القوة العسكرية، أو عبر الاستئثار بالسوق العالم.
الثاني: تنامي قوة دول كبرى، مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها، من الدول الصاعدة اقتصادياً، والتي احتلت مساحة هامة من أسواق العالم على حساب الاقتصادات الغربية، لاسيما وأن هذه الدول ترفض سياسات الهيمنة الاميركية الغربية وعملت على تقويضها، أن كان في مجلس الأمن الدولي، أو في ساحات الصراع العالمية، في إيران، وأوكرانيا.. الخ
على أن الازمات التي تواجه مصر، دولة وشعباً، لا تسمح باستمرار سياسات مصر السابقة وتفرض على أي رئيس مقبل الاستجابة لتطلعات الشعب المصري بإحداث تغيير اقتصادي اجتماعي يقود إلى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، ويعيد لمصر دورها ومكانتها للحفاظ على أمنها القومي بكل مستوياتها الأمنية والاقتصادية والمائية.
ولهذا فكلما زادت واشنطن من ضغوطها على مصر لمنع انتهاجها خيارات مستقلة، واستمرت في محاولات ابتزازها، كلما عزز ذلك اندفاع القاهرة نحو العودة إلى الاتجاه شرقاً والتحرر من قيود التبعية لأميركا.