السلسلة: مطلب حق.. والتنفيذ كارثة

كتب غازي وزنه – قدّمت اللجنة النيابية الفرعية مشروعاَ معدلاً لسلسلة الرتب والرواتب يشكّل، اذا ما طُبِّق، كارثة اقتصادية ومالية لأنه يرفع كلفة السلسلة بشكل كبير بيـن 42 في المئة و47 في المئة من 1669 مليار ليرة الى 2367 مليار ليرة و2447 مليار ليرة، ويرفض مبدأ التقسيط لأسباب سياسية، ويتقدم بحزمة واسعة، متشعبة من الاقتراحات والتعديلات الضرائبية، بعضها ايجابية وغالبيتها سلبية، ويتضمن واردات غير واقعية، طموحة وغير كافية لتغطية كلفة السلسلة.

في الوقت عينه، تشمل الحزمة الضرائبية وتعديلاتها إجراءات تعيق النمو الاقتصادي، تتسبب بالتضخم، تدهور المالية العامة، ترفع المديونية العامة الى مستويات قياسية، تهّدد الاستقرار النقدي وتزيد المشاكل الاجتماعية والحياتية كما انها ترفع العبء الضريبي حوالي 5 في المئة أي من 17 في المئة الى 22 في المئة من الناتج المحلي.
كذلك تظهر واردات السلسلة طموحة، مبالغة، مضخمة، تتجاهل الأزمة الاقتصادية ومشاكل المؤسسات الاقتصادية، كما انها تعتبر نفسها منعزلة عن تداعيات الأزمات السياسية والأمنية.

تقدّر في هذا السياق الواردات الضرائبية الطموحة والمضخمة والمنفوخة سنويا بحوالي 1805 مليار ليرة ونسبتها 51 في المئة من اجمالي الواردات، وتتوزع على الشكل التالي:

– بدلات اشغال الاملاك العمومية البحرية: 65 مليار ليرة.
– رفع الرسوم ورسوم جديدة على التبغ: 300 مليار ليرة.
– تسوية مخالفات البناء: 40 مليار ليرة.
– مشروع قانون البناء المستدام: 400 مليار ليرة.
– شمول قانون البناء المستدام للمباني قيد الانشاء: 1000 مليار ليرة.

هذه الواردات يمكن اعتبارها مضخمة ومشكوك بتحصيل جزء كبير منها لأن هناك صعوبة في تقدير ايرادات قانون البناء المستدام قبل تحديد الشروط واصدار المراسيم من قبل الحكومة، وصعوبة في معرفة حجم المباني قيد الانشاء المرخّصة الممكن الاستفادة من احكام هذا القانون اضافة الى صعوبة قبول المالكين دفع 80 في المئة من قيمة الاستثمار الاضافي في ظل جمود وشلل القطاع العقاري. كذلك فإن تحصيل بدلات اشغال الاملاك العمومية البحرية يحتاج الى توافق سياسي غير متوفر، وتحصيل كامل رسوم التبغ يتطلب منع كل عمليات التهريب واستهلاك نفس كمية التبغ في اسعارها المضاعفة، فضلا عن ان تحصيل مخالفات البناء يستوجب موافقة غير متوفرة للمالكين.

تعتمد اللجنة في مواردها على واردات قطاع البناء المقدرّة بحوالي 1867 مليار ليرة ونسبتها 58.6 في المئة من اجمالي الواردات منها 1400 مليار ليرة تعود الى واردات البناء المستدام كما تعتمد بنسبة 27.5 في المئة اي حوالي 875 مليار ليرة على الواردات الناجمة من زيادة الرسوم الجمركيــــــــة (730 مليار ليرة) والضريبة على القيمة المضافــــة (145 مليار ليرة).
يمثل المصدران الرئيسيان للواردات نسبة 86.1 في المئة من اجمالي الواردات اي حوالي 2597 مليار ليرة ويتأثران بأوضاع القطاع العقاري الذي يشهد حال جمود وشلل وتراجع في الطلب، وبالقدرة الاستهلاكية لدى المواطنين.

لابد هنا ان نشير الى ان القطاع العقاري سجل خلال فترة 2010 2013 تراجعا في مساحات البناء المرخصة بنسبة 27 في المئة (من 17.26 مليون متر مربع الى 12.62 مليون متر مربع)، وفي عدد المعاملات حوالي 26.6 في المئة (من 94320 الى 69198) وفي عدد الشقق السكنية المباعة سنويا بنسبة 26 في المئة (من 23 الف الى 17 الف)، اضافة الى انه يجب ان نشير الى ان زيادة الرسم الجمركي بنسبة 1 في المئة على كامل البنود التعريفية هي بمثابة رفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 في المئة الى 11 في المئة.

يهدد مشروع السلسلة الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي بسبب رفض اللجنة النيابية الفرعية مبدأ التقسيط وعجز الواردات عن تغطية كلفة السلسلة وتظهر التداعيات على الشكل التالي:

1- تدهور المالية العامة وتنامي المديونية: يرفع المشروع العجز في المالية العامة الى مستويات مقلقة وخطرة للاسباب التالية:
– تزايد كلفة السلسلة في السنوات القادمة بفعل ذهاب 22 في المئة من الموظفين الى التقاعد واستبدالهم بموظفين جدد برواتب اعلى وايضا بفعل الزيادات والدرجات التي تزاد تلقائيا كل سنة مالية على الرواتب ومعاشات التقاعد اضافة الى اضطرار الدولة تصحيح الرواتب والاجور لاحقا نتيجة التضخم.

– مصادر تمويل السلسلة غير كافية نتيجة خسارة الواردات المؤقتة المقدرة وفقا للجنة بحوالي 1200 مليار ليرة حيث تصبح اجمالي الواردات المخصصة لتمويل السلسلة حوالي 3184 مليار ليرة في السنة الاولى ثم تنخفض الى 2184 مليار ليرة في السنة الرابعة و2144 مليار ليرة في السنة الخامسة اي تصبح اقل من كلفة السلسلة المقدرة بين 2367 مليار ليرة و 2447 مليار ليرة.
– وجود واردات طموحة ومشكوك بتحصيل جزء كبير منها وتقدّر بحوالي 1800 مليار ليرة.
-ارتفاع حجم نفقات الموازنة العامة في السنوات القادمة نتيجة زيادة النفقات التي تعود الى النفقات الاستهلاكية والاجتماعية والاستثمارية وخدمة الدين العام اضافة الى اعباء النازحين السوريين.
– تباطؤ الاقتصاد ينعكس سلبا على الواردات (انخفض النمو الى اقل من 1.2 في المئة العام 2013 وتراجعت الواردات اكثر من 2.4 في المئة).
يتسبب العجز في المالية العامة بارتفاع كبير للمديونية العامة، وزعزعة الثقة بالوضع المالي للدولة، واخفاق الدولة بمواجهة الاستحقاقات المالية البالغة حوالي 13 مليار دولار في العام 2014، وإحجام المصارف على إقراضها. كذلك يتسبب العجز بتقليص الوكالات الدولية التصنيف الائتماني السيادي ما يؤدي الى رفع معدلات الفوائــــد علــــى التسليفات للقطاعين العام والخاص وتزايد مشكلات المؤسسات الاقتصاديــة ورفع حجم خدمة الدين العام.
تجدر الاشارة الى ان العجز في المالية العامة تجاوز في العام 2013 نسبة 10.5 في المئة من الناتج المحلي ووصل الدين العام الى حوالي 63.5 مليار دولار ونسبته 146 في المئة من الناتج المحلي، فإن اقرار السلسلة من دون تقسيط يتسبب بتجاوز العجز نسبة 13 في المئة من الناتج المحلي في العام 2014 والدين العام 69 مليار دولار ونسبته 155 في المئة من الناتج المحلي.
2- عامل تضخمي بامتياز: تتسبب السلسلة بفلتان اسعار السلع وارتفاعها العشوائي بنسبة تراوح بين 2 في المئة و3 في المئة (احصاءات مصرف لبنان) نتيجة تزايد الطلب على السلع الاستهلاكية كما تتسبب باتساع عجز ميزاني التجاري والمدفوعات، وخسارة الموظفين مكتسبات التعديلات في الرواتب.
3- تهديد الاستقرار النقدي في المدى المتوسط والبعيد: تؤدي السلسلة الى التضخم النقدي وانخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية نتيجة ضخ كتلة نقدية هائلة، دفعة واحدة، من دون تقسيط في الاسواق، كتلة غير منتجة، استهلاكية مقدرة بأكثر من 2367 مليار ليرة سنويا، على شكل رواتب واجور تمنح المستفيدين منها القدرة على الاستدانة وزيادة حجم اقتراضهم من المصارف التجارية اضعاف قيمتها اي تعطي المصارف امكانية خلق نقد غير منتج، ما يهدد في المدى المتوسط الاستقرار النقدي ويتسبب بارتفاع معدلات الفوائد.
4- إرهاق الاقتصاد: تعيق السلسلة النمو الاقتصادي، برغم زيادتها القوة الشرائية والاستهلاكية للموظفين في القطاع العام، وذلك بسبب التدابير الضرائبية التي تطال جميع شرائح المجتمع خصوصا الطبقة المتوسطة والفقيرة، والتي تستهدف كافة القطاعات الاقتصادية خاصة القطاع العقاري الذي يشهد حال جمود وشلل وتراجع قوي للطلب، والقطاع التجاري الذي انخفضت مبيعاته في الفترة الاخيرة حوالي 30 في المئة. كذلك تتسبب السلسلة بزيادة كلفة خدمات بعض مؤسسات القطاع الخاص لا سيما المدارس الخاصة والجامعات، وتتسبب بتراجع فرص العمل بنسبة 4 في المئة (مديرية الاحصاءات في مصرف لبنان) وزيادة البطالة.
إن إقرار السلسلة حق ولكن تنفيذها يشكّل كارثة اقتصادية ومالية. يفترض بالهيئة العامة في المجلس النيابي «تقسيط الجزء المتعلق بتعديل سلاسل الرواتب» المقدرة بحوالي 1550 مليار ليرة لاربع سنوات «من دون تقسيط زيادات غلاء المعيشة» المقدرة بحوالي 850 مليار ليرة. إن التقسيط الجزئي لن يخسّر الموظفين مكتسباتهم ولا يأكل من قدراتهم الشرائية كما يفترض بالهيئة العامة التدقيق في صحّة الواردات الملحوظة في السلسلة.
على وزير المال ضم نفقات سلسلة الرتب والرواتب مقسّطة ومواردها في مشروع الموازنة العامة تقيدا بقواعد الشمولية.

شاهد أيضاً

“النصرة” تهدد حزب الله: معركتنا في لبنان لم تبدأ بعد

  إكس خبر- أعلن زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني في مقابلة صوتية مسجّلة بثت …

اسرائيل تعتدي على فلسطينيين في المسجد الاقصى

  إكس خبر- اندلعت صباح اليوم مواجهات في باحة المسجد الأقصى حيث دخل شرطيون إسرائيليون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *