بقلم وائل عبدالفتاح – أخيراً تكلمت.
في الحقيقة لم يكن كلاماً من المؤسسة العسكرية مباشرة، ولكن إشارات ضمن بيان على صفحة المتحدث الوسيم. الإشارة القوية بين هذه الإشارات، هي دعوة المواطنين إلى عدم الوقوع في فخ من ينتحلون صفة رجال الشرطة والجيش.
البيان كان عن القبض على مهرب أقمشة الملابس العسكرية عبر أنفاق غزة، والإشارة هنا تروي ما لم يُقل علناً عن تسرّب عناصر من حماس مرتدية ملابس «قوة نظامية».. أي شرطة وجيش.
الإشارة في البيان تكمل مرويات في الخفاء عن «القوة الموازية» التي يستخدمها الرئيس المصري محمد مرسي لقمع الثورة عليه، وهذا يعني أنها «تسريبة» عن «التسرب» الخارج عن سيطرة الأجهزة السيادية في الدولة.
وبمعنى أشمل هذه نهاية صدامية لقصة الأنفاق الطويلة، تقول مصادر عسكرية أو تروي في جلسات غير رسمية، إن «الأنفاق الآن تحت السيطرة ..»، ضمن خطة سيطرة على الحدود بدأت بليبيا. ولم يبق بعد هذه الخطة إلا السيطرة على المتسربين، عبر إرادة (أو توافق) سياسي من سلطة الرئاسة أو تعاون من الداخلية، وهذا يعني إبعاد الوزير اللواء محمد إبراهيم الذي يعتبر الآن أداة إخوانية تحرك الشرطة لمصلحة حماية الجماعة أو تمنح غطاء لميليشيا أصبحت تتخفى في زي الشرطة أثناء عملية اصطياد الثوار… آخرها طبعا كان إظهار أشخاص لحاهم من تحت أقنعة سوداء يضعونها على أوجههم أثناء المواجهات أمام مكتب الإرشاد في المقطم.
تفكير الجيش ربما يكون باتجاه قيادة الجناح الأمني كله، ليحصل على مساحة مستقلة
في شركة الحكم من دون تهديدات مكتب الإرشاد أو خيرت الشاطر بالتحديد.
إشارة المتحدث العسكري إلى «انتحال» صفة الضباط، هي جزء من خطة تهيئة الرأي العام لشيء ما سيحدث (مثلا في لحظة خروج القوات المسلحة من ثكناتها، إما باستدعاء من الرئيس أو من الشعب، كما تردد الرسائل الآتية من الجيش). هذه الإشارات قد تكون أيضا من أجل إعادة رواية المرحلة الانتقالية لتنكر ارتكاب الجيش جرائم ضد الثوار (وهذه التسريبات أو الإشارات ترسم صورة لما كان يطلق عليه الطرف الثالث، وهو ما يغسل صورة الجيش الذي فقد كثيرا بالأداء الأقرب إلى المليشياوية أثناء حكم الفترة الانتقالي).. هي إذاً حرب في شركة الحكم.
الشركاء («الإخوان» والعسكر) لم تعد ترضيهم الأنصبة القديمة (التي أشرف عليها الراعي الدولي)، وجريمة رفح هي الموضوع الذي تتجسد عنده الصراعات. ويصلح لأسباب كثيرة أن يكون مسرح إعادة توزيع الأنصبة كما كان أول مرة مسرح إعلان الشركة.
2
القفزة.. خارج الشركة
هذا ما تنتظره قطاعات شعبية لم تعد تخفي رسالات الإنقاذ للجيش وقائده (عبد الفتاح السيسي). والجيش لا يرد إلا بـ: نحن جيش الشعب… ولن نتحرك إلا بإرادة شعبية. وهذا مستفز بالنسبة لـ«الإخوان»، الغرباء عن الدولة، الذين يدارون فشلهم (في السيطرة على المؤسسات) أو مخططاتهم باللعب في إنشاء مسارات موازية على ثلاثة أصعدة أساسية هي الديبلوماسية (تحركات مساعد الرئيس عصام الحداد خارج حسابات الديبلوماسية ومخطط تقاسم السفارات بين «الإخوان» والسلفيين) والعسكرية (إدارة ملفات من طبيعتها أنها تحت إدارة الجيش أو بسيطرته من خلال الأجهزة الاستخبارية) والأمنية (اختراق دائرة القيادات الضيقة لجهاز الشرطة من خلال التحكم في التشكيلات داخل الشرطة التي تمت مراجعتها أكثر من مرة وإعادتها من الرئاسة إلى الوزارة مرورا بمكتب الإرشاد في السر طبعا. هذا طبعا بالإضافة إلى قانون شركات الحراسة الخاصة الذي سيمرر عبر مجلس الشورى، وستكون شبكة هذه الشركات دولية يبدو أن إحداها ستكلف بمهمة حماية قناة السويس في تكرار لتجربة العراق المريرة).
وهذه التحركات بالنسبة للشريك في الحكم (العسكر) هي محاولة انقلاب أو تفرّد بالشركة، خاصة بعد رصد تحركات للاتفاق مع ضباط (يُروى أنهم بايعوا المرشد) أو الإعلان عن قبول عناصر إخوانية في الدفعة 109 في الكلية الحربية (من بينها ابن شقيق الرئيس المرسي).
هنا يبدو تضارب المصالح مختلطاً مع نيات غير مفهومة أو تخلخل قواعد قديمة للمؤسسات (إبعاد الألوان السياسية عن الأجهزة الأمنية) أو الصدام مع قواعد جديدة عادلة (لاستخدامها من جانب الطرف الذي في يده السلطة).
تضارب المصالح بين الشركاء، جديد تماماً، فلأول مرة تتحرك الأجهزة الأمنية لكشف ما تخطط له الرئاسة (بل واعتبار هذه المخططات خطراً على الأمن القومي). وهذا ما يبدو من تسريبات تغرق الحقيقة وتغطي عليها.
3
التسريبات لا تؤدي إلا إلى متاهات
فماذا حدث مع السبعة فلسطينيين، المقبوض عليهم في المطار وبحوزتهم خرائط وقوائم (روي أنهم خرجوا بعد تدخل من الرئاسة).
وتبقى التسريبات حول رفح الأكثر.. والأخطر. هذا برغم أن التحقيق يتم بإدارة أعلى جهات أمنية، أي أجهزة عليا يطلق اسمها مقروناً بالسيادية.
والتحقيق أيضاً يتم وفق العملية الجبارة التي سُمّيت «نسر»، ثم تغيّر اسمها بعد أن كان تحت قيادة الجيش. قفز مرسي وقال أنا قائد العملية، التي لم تصل إلى شيء (وكما قال القائد السابق للقضاء العسكري، فإن الأدلة المقدمة لا توصل إلى الجناة). ويبدو أن هذا هو السبب في أن كل ما يتم تداوله عن الجريمة تسريبات، مرة تدور حول عناصر من الجهاد (أفرج عنهم مرسي في عفو رئاسي كل يوم نكتشف أن فيه من العجائب ما يفوق الأهرامات وبرج بيزا المائل)، ومرة أخرى تتحدث عن «سلفية جهادية» تسللت من القطاع. لكن التسريبة الكبيرة هي عن حماس، فقد حددت في الأول أسماء ثلاثة من قادتها، ثم كشفت عن أربعين فلسطينياً متهماً.
كل هذه التسريبات ولا قرار واحداً من جهات التحقيق، ولا بيان رسمياً، لكنها محاولة رسم صورة ما تغطي عنف الصدام (حول الأحجام في شبكة الحكم) أو الصراع حول فرض السيطرة (على نواة الحكم في الدولة)، لأن درامياً هناك من حاول أن يقفز في منطقة ليست له أو يلعب في مساحات لا يعرف قواعد اللعب فيها، فبدا لمن يحكم خلف المرسي أنه يمكن لحماس أن تجد منفذا للحركة بعيدا عن الأجهزة القديمة التي كانت تمنحها هذا المنفذ. بمعنى آخر، تخيّل «الإخوان» بعدما وصلوا إلى القصر الرئاسي أن حياة حليفهم في غزة لم تعد في يد الأجهزة السيادية (الاستخبارات والجيش) وأصبح من الطبيعي أن يصل خالد مشعل ويتحرك مباشرة إلى مكتب الإرشاد، بعدما كانت كل حركة لحماس من سيناء للقاهرة تتم تحت عين الاستخبارات وبإذنها. الآن وبعدما تصور «الإخوان» في القاهرة وربما جزء من قيادة حماس في غزة أنه يمكن للأجهزة «السيادية» أن تغادر ملاعبها، فهذه حسابات ليست دقيقة، كما أنها لا تتعلق فقط بمدى التوافق بين قيادات هذه الأجهزة والجماعة التي تحكم، ولكن عبر تكوين هذه الأجهزة ومعنى وجودها.
لا يعني الأمر هنا تعاطف قيادات الأجهزة مع «الإخوان» أو تصالحهم مع الحكم من خارج القصر (عبر مكتب الإرشاد)، ولكن بقاء فعالية لأداء المؤسسات في تماسك الدولة. وهو ما يتعرض لاهتزاز عنيف، يبدو على مستويات وصلت أزماتها إلى الحافة:
[ في الأمن: لم تعد محاكمات القصاص الشعبي (الجماعي) غريبة أو مدهشة. وهذا تعبير على أن الحرية أو الفوضى لا ترتبطان بالثورة فقط، ولكن بالذعر الشعبي من غياب الأمن وأيضا بمجموعات الإجرام المنظم أيضا.
[ في الاقتصاد: لا يعرف أحد ماذا ستفعل الدولة مع أزمة تقترب كوابيسها بشكل مفزع.
[ في الخدمات: يتوقع المصريون صيفا أسودَ من دون كهرباء ولا ماء، بعدما ظهرت خلال الأسبوع الماضي ملامح انقطاع الكهرباء مع موجة الحر السريعة.
[ في العلاقات الدولية: كان قرار البرلمان الأوروبي بوقف المعونات لنظام «الإخوان»، أكثر من مجرد احتجاج ينذر بفقدان الغطاء الدولي، لكنه كان محاكمة على الهواء وصلت حدّ طلب قطع العلاقات لا المعونات فقط.
والسؤال الآن ماذا بعد الحافة؟
هل سيرضخ «الإخوان» إلى مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة (على اعتبار أنها الخسارة التي لن تدمرهم)؟ أم سيصل الوضع إلى استدعاء شعبي للجيش لا يحكم فيه كما حدث خلال المرحلة الانتقالية الأولى، ولكن بضمان صيغة جديدة (تسربت في الصحف أيضا) عن مجلس رئاسي من سبع شخصيات بينها عسكري؟ هذه هي الحلول التي قد تسقط من أعلى، أما حلول الشارع فهي في مكان آخر إلى حد كبير.
في الحقيقة لم يكن كلاماً من المؤسسة العسكرية مباشرة، ولكن إشارات ضمن بيان على صفحة المتحدث الوسيم. الإشارة القوية بين هذه الإشارات، هي دعوة المواطنين إلى عدم الوقوع في فخ من ينتحلون صفة رجال الشرطة والجيش.
البيان كان عن القبض على مهرب أقمشة الملابس العسكرية عبر أنفاق غزة، والإشارة هنا تروي ما لم يُقل علناً عن تسرّب عناصر من حماس مرتدية ملابس «قوة نظامية».. أي شرطة وجيش.
الإشارة في البيان تكمل مرويات في الخفاء عن «القوة الموازية» التي يستخدمها الرئيس المصري محمد مرسي لقمع الثورة عليه، وهذا يعني أنها «تسريبة» عن «التسرب» الخارج عن سيطرة الأجهزة السيادية في الدولة.
وبمعنى أشمل هذه نهاية صدامية لقصة الأنفاق الطويلة، تقول مصادر عسكرية أو تروي في جلسات غير رسمية، إن «الأنفاق الآن تحت السيطرة ..»، ضمن خطة سيطرة على الحدود بدأت بليبيا. ولم يبق بعد هذه الخطة إلا السيطرة على المتسربين، عبر إرادة (أو توافق) سياسي من سلطة الرئاسة أو تعاون من الداخلية، وهذا يعني إبعاد الوزير اللواء محمد إبراهيم الذي يعتبر الآن أداة إخوانية تحرك الشرطة لمصلحة حماية الجماعة أو تمنح غطاء لميليشيا أصبحت تتخفى في زي الشرطة أثناء عملية اصطياد الثوار… آخرها طبعا كان إظهار أشخاص لحاهم من تحت أقنعة سوداء يضعونها على أوجههم أثناء المواجهات أمام مكتب الإرشاد في المقطم.
تفكير الجيش ربما يكون باتجاه قيادة الجناح الأمني كله، ليحصل على مساحة مستقلة
في شركة الحكم من دون تهديدات مكتب الإرشاد أو خيرت الشاطر بالتحديد.
إشارة المتحدث العسكري إلى «انتحال» صفة الضباط، هي جزء من خطة تهيئة الرأي العام لشيء ما سيحدث (مثلا في لحظة خروج القوات المسلحة من ثكناتها، إما باستدعاء من الرئيس أو من الشعب، كما تردد الرسائل الآتية من الجيش). هذه الإشارات قد تكون أيضا من أجل إعادة رواية المرحلة الانتقالية لتنكر ارتكاب الجيش جرائم ضد الثوار (وهذه التسريبات أو الإشارات ترسم صورة لما كان يطلق عليه الطرف الثالث، وهو ما يغسل صورة الجيش الذي فقد كثيرا بالأداء الأقرب إلى المليشياوية أثناء حكم الفترة الانتقالي).. هي إذاً حرب في شركة الحكم.
الشركاء («الإخوان» والعسكر) لم تعد ترضيهم الأنصبة القديمة (التي أشرف عليها الراعي الدولي)، وجريمة رفح هي الموضوع الذي تتجسد عنده الصراعات. ويصلح لأسباب كثيرة أن يكون مسرح إعادة توزيع الأنصبة كما كان أول مرة مسرح إعلان الشركة.
2
القفزة.. خارج الشركة
هذا ما تنتظره قطاعات شعبية لم تعد تخفي رسالات الإنقاذ للجيش وقائده (عبد الفتاح السيسي). والجيش لا يرد إلا بـ: نحن جيش الشعب… ولن نتحرك إلا بإرادة شعبية. وهذا مستفز بالنسبة لـ«الإخوان»، الغرباء عن الدولة، الذين يدارون فشلهم (في السيطرة على المؤسسات) أو مخططاتهم باللعب في إنشاء مسارات موازية على ثلاثة أصعدة أساسية هي الديبلوماسية (تحركات مساعد الرئيس عصام الحداد خارج حسابات الديبلوماسية ومخطط تقاسم السفارات بين «الإخوان» والسلفيين) والعسكرية (إدارة ملفات من طبيعتها أنها تحت إدارة الجيش أو بسيطرته من خلال الأجهزة الاستخبارية) والأمنية (اختراق دائرة القيادات الضيقة لجهاز الشرطة من خلال التحكم في التشكيلات داخل الشرطة التي تمت مراجعتها أكثر من مرة وإعادتها من الرئاسة إلى الوزارة مرورا بمكتب الإرشاد في السر طبعا. هذا طبعا بالإضافة إلى قانون شركات الحراسة الخاصة الذي سيمرر عبر مجلس الشورى، وستكون شبكة هذه الشركات دولية يبدو أن إحداها ستكلف بمهمة حماية قناة السويس في تكرار لتجربة العراق المريرة).
وهذه التحركات بالنسبة للشريك في الحكم (العسكر) هي محاولة انقلاب أو تفرّد بالشركة، خاصة بعد رصد تحركات للاتفاق مع ضباط (يُروى أنهم بايعوا المرشد) أو الإعلان عن قبول عناصر إخوانية في الدفعة 109 في الكلية الحربية (من بينها ابن شقيق الرئيس المرسي).
هنا يبدو تضارب المصالح مختلطاً مع نيات غير مفهومة أو تخلخل قواعد قديمة للمؤسسات (إبعاد الألوان السياسية عن الأجهزة الأمنية) أو الصدام مع قواعد جديدة عادلة (لاستخدامها من جانب الطرف الذي في يده السلطة).
تضارب المصالح بين الشركاء، جديد تماماً، فلأول مرة تتحرك الأجهزة الأمنية لكشف ما تخطط له الرئاسة (بل واعتبار هذه المخططات خطراً على الأمن القومي). وهذا ما يبدو من تسريبات تغرق الحقيقة وتغطي عليها.
3
التسريبات لا تؤدي إلا إلى متاهات
فماذا حدث مع السبعة فلسطينيين، المقبوض عليهم في المطار وبحوزتهم خرائط وقوائم (روي أنهم خرجوا بعد تدخل من الرئاسة).
وتبقى التسريبات حول رفح الأكثر.. والأخطر. هذا برغم أن التحقيق يتم بإدارة أعلى جهات أمنية، أي أجهزة عليا يطلق اسمها مقروناً بالسيادية.
والتحقيق أيضاً يتم وفق العملية الجبارة التي سُمّيت «نسر»، ثم تغيّر اسمها بعد أن كان تحت قيادة الجيش. قفز مرسي وقال أنا قائد العملية، التي لم تصل إلى شيء (وكما قال القائد السابق للقضاء العسكري، فإن الأدلة المقدمة لا توصل إلى الجناة). ويبدو أن هذا هو السبب في أن كل ما يتم تداوله عن الجريمة تسريبات، مرة تدور حول عناصر من الجهاد (أفرج عنهم مرسي في عفو رئاسي كل يوم نكتشف أن فيه من العجائب ما يفوق الأهرامات وبرج بيزا المائل)، ومرة أخرى تتحدث عن «سلفية جهادية» تسللت من القطاع. لكن التسريبة الكبيرة هي عن حماس، فقد حددت في الأول أسماء ثلاثة من قادتها، ثم كشفت عن أربعين فلسطينياً متهماً.
كل هذه التسريبات ولا قرار واحداً من جهات التحقيق، ولا بيان رسمياً، لكنها محاولة رسم صورة ما تغطي عنف الصدام (حول الأحجام في شبكة الحكم) أو الصراع حول فرض السيطرة (على نواة الحكم في الدولة)، لأن درامياً هناك من حاول أن يقفز في منطقة ليست له أو يلعب في مساحات لا يعرف قواعد اللعب فيها، فبدا لمن يحكم خلف المرسي أنه يمكن لحماس أن تجد منفذا للحركة بعيدا عن الأجهزة القديمة التي كانت تمنحها هذا المنفذ. بمعنى آخر، تخيّل «الإخوان» بعدما وصلوا إلى القصر الرئاسي أن حياة حليفهم في غزة لم تعد في يد الأجهزة السيادية (الاستخبارات والجيش) وأصبح من الطبيعي أن يصل خالد مشعل ويتحرك مباشرة إلى مكتب الإرشاد، بعدما كانت كل حركة لحماس من سيناء للقاهرة تتم تحت عين الاستخبارات وبإذنها. الآن وبعدما تصور «الإخوان» في القاهرة وربما جزء من قيادة حماس في غزة أنه يمكن للأجهزة «السيادية» أن تغادر ملاعبها، فهذه حسابات ليست دقيقة، كما أنها لا تتعلق فقط بمدى التوافق بين قيادات هذه الأجهزة والجماعة التي تحكم، ولكن عبر تكوين هذه الأجهزة ومعنى وجودها.
لا يعني الأمر هنا تعاطف قيادات الأجهزة مع «الإخوان» أو تصالحهم مع الحكم من خارج القصر (عبر مكتب الإرشاد)، ولكن بقاء فعالية لأداء المؤسسات في تماسك الدولة. وهو ما يتعرض لاهتزاز عنيف، يبدو على مستويات وصلت أزماتها إلى الحافة:
[ في الأمن: لم تعد محاكمات القصاص الشعبي (الجماعي) غريبة أو مدهشة. وهذا تعبير على أن الحرية أو الفوضى لا ترتبطان بالثورة فقط، ولكن بالذعر الشعبي من غياب الأمن وأيضا بمجموعات الإجرام المنظم أيضا.
[ في الاقتصاد: لا يعرف أحد ماذا ستفعل الدولة مع أزمة تقترب كوابيسها بشكل مفزع.
[ في الخدمات: يتوقع المصريون صيفا أسودَ من دون كهرباء ولا ماء، بعدما ظهرت خلال الأسبوع الماضي ملامح انقطاع الكهرباء مع موجة الحر السريعة.
[ في العلاقات الدولية: كان قرار البرلمان الأوروبي بوقف المعونات لنظام «الإخوان»، أكثر من مجرد احتجاج ينذر بفقدان الغطاء الدولي، لكنه كان محاكمة على الهواء وصلت حدّ طلب قطع العلاقات لا المعونات فقط.
والسؤال الآن ماذا بعد الحافة؟
هل سيرضخ «الإخوان» إلى مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة (على اعتبار أنها الخسارة التي لن تدمرهم)؟ أم سيصل الوضع إلى استدعاء شعبي للجيش لا يحكم فيه كما حدث خلال المرحلة الانتقالية الأولى، ولكن بضمان صيغة جديدة (تسربت في الصحف أيضا) عن مجلس رئاسي من سبع شخصيات بينها عسكري؟ هذه هي الحلول التي قد تسقط من أعلى، أما حلول الشارع فهي في مكان آخر إلى حد كبير.