زرع الجواسيس
يكشف الكتاب أخطر العمليات وأهمها في تاريخ الموساد خلال ستين سنة من إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وطريقة إسهام هذه العمليات النوعية والكبيرة في بنائه، أو قضت على كل العوامل التي يمكن أن تشكل خطراً وتهديداً، ومن بين هذه العمليات زرع جواسيس في دول عربية، وعمليات تخريب وتفجير مثل تدمير المنشأة النووية السورية في محافظة دير الزور، والقضاء على كبار العلماء النوويين الإيرانيين، والعديد من القيادات الفلسطينية واللبنانية الضالعة في تزويد الفلسطينين بالسلاح، وممن شكل خطراً على المصالح الإسرائيلية في العالم .
هكذا تمّ الاغتيال
الكتاب صادر عن دار النشر الأميركية “هاربر كولينز” في 388 صفحة من القطع الكبير، 2012. وقال الكتاب في رواية تحت عنوان “هكذا تم اغتيال عماد مغنية في حي كفرسوسة في دمشق، 3 عملاء في العاصمة السورية لتنفيذ المهمة بسيارة ملغومة”.
وقالت الرواية: “كثيرة هي العمليات التي قام بها الموساد قتلاً وتنكيلاً وإفساداً وتخريباً في الدول التي عادت إسرائيل، وخاصة الدول العربية، حيث عمل بشكل مدروس ودقيق على طريقة التأثير في هذه الدول، والعمل على تدمير بنيتها التحتية خلال سنوات طويلة من العمل مع العملاء في داخل هذه الدول. ولاشك في أن أي رافض لهذا الكيان، سواء أفراداً كانوا أو مؤسسات أو دولاً، فقد كان يتم العمل على التخلص منهم أو تدميرهم، ويتم تصنيفهم في خانة الإرهاب، ويؤازرهم في هذا، الدول الغربية التي لا تكف عن دعم إسرائيل في السر وفي العلن” .
يستعرض الكاتبان في الفصل التاسع عشر بعنوان “الحب والموت في الظهيرة” عملية اغتيال عماد مغنية، القيادي في “حزب الله” اللبناني، حينما كان متوجهًا إلى إحدى الشقق السكنية الفخمة في حي كفرسوسة وسط دمشق والمقدمة له من رجل الأعمال السوري رامي مخلوف إبن خال الرئيس السوري بشار الأسد.
سرّ المرأة الثلاثينية
كانت في انتظاره بالشقة امرأة كان قد تزوجها مغنية سراً تدعى نهاد حيدر في الثلاثينيات من عمرها. كانت نهاد تعلم بمجيئه دائماً قبل وصوله إما من بيروت أو من طهران، ولم يكن مغنية يأخذ أحداً من حراسه الشخصيين أو سائقيه عندما يتوجه إلى المنزل، وكان التعرف إليه صعباً للغاية، حيث كان يتخفى دائماً ولا تظهر له صور حديثة أو ظهور علني ما، خاصة أنه كان قد أجرى عملية جراحية لوجهه، بالتالي صعب الأمر على المخابرات الغربية و”الإسرائيلية” للتعرف عليه، ولكن قبل توجهه إلى دمشق قام أحد عملاء الموساد بتصوير مغنية عبر هاتفه النقال، وأرسل الصور على الفور إلى “تل أبيب” للتأكد من هويته، وكان فريق عملية التنفيذ في دمشق بإنتظار الإشارة كي ينفذوا العملية، وعند خروج مغنية من عند زوجته، ركب سيارة “ميتسوبيشي باجيرو” فضية من النوع الرياضي متعددة الاستخدامات، حيث كان مقرراً أن يلتقي بممثلين عن الاستخبارات السورية والإيرانية .
يبين الكاتبان لائحة من الأعمال المنسوبة إليه، التي جعلته الرجل الأكثر طلباً للمخابرات الأميركية قبل أحداث 11 أيلول، وكذلك للمخابرات الإسرائيلية ومنها:
– تفجير السفارة الأميركية في بيروت بتاريخ 18 نسيان 1983 وكان عدد الضحايا 63 شخصاً .
– تفجير مقر قوات المارينز الأميركية في بيروت بتاريخ 23 تشرين الأول1983 وكان عدد الضحايا 241 شخصاً .
– تفجير مقر الجنود المظليين الفرنسيين في بيروت بتاريخ 23 تشرين الأول 1983 وكان عدد الضحايا 58 شخصاً .
– إضافة إلى خطف وقتل ويليام باكلي أحد مسؤولي “السي آيه إيه”، وعدد من الهجمات على السفارة الأميركية في الكويت، وخطف طائرة من شركة “توا” الأميركية وطائرتين من الخطوط الجوية الكويتية، وقتل عشرين جنديًا أميركياً في السعودية . وقد أضافت إسرائيل على هذه القائمة بياناتها الخاصة بها نذكر بعضًا منها:
– هجوم على قافلة وزارة الدفاع الإسرائيلية على الحدود الإسرائيلية اللبنانية وقتل خلاله ثمانية جنود بتاريخ 10 آذار 1985 .
– تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين بتاريخ 17 آذار 1992 وبلغ عدد الضحايا 29 شخصاً .
– تفجير مركز المجتمع اليهودي في بيونس آيرس بتاريخ 18 تموز 1994 وبلغ عدد الضحايا 86 شخصاً .
– إضافة إلى قتل وخطف ثلاثة جنود إسرائيليين في قطاع حدود عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وخطف رجل الأعمال الإسرائيلي إيلهانان تانينبوم، وتفجير قرب ماتزوبا كيبوتوز، والأكثر تدميراً من كلهم، خطف وقتل الجنود ريجيف وغولدواسير على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، التي أثارت الحرب اللبنانية الثانية .
كان عماد مغنية بالنسبة للإسرائيليين والأميركيين إرهابياً كبيراً، يقف خلف كل هذه الجرائم، ورغم ذلك لم يستطع أحد أن يقتفي أثره، حيث كان شبحياً، يضيع أثره بعد كل عملية، وهو بدوره كان يتجنب المصورين والحوارات التلفزيونية، وقد كانت الاستخبارات الغربية على اطلاع دائم بنشاطاته، إلا أنها بقيت جاهلة بظهوره العلني، وعاداته، ومخابئه. الشيء الوحيد الذي كان معلوماً بالنسبة إليهم هو أنه ولد عام 1962 في قرية من جنوبي لبنان، من الطائفة الشيعية، كان في مراهقته قد انتقل إلى حي فقير في بيروت أغلب ساكنيه من الفلسطينيين، ومن أنصار منظمة “التحرير الفلسطينية” . كان مغنية قد ترك المدرسة والتحق بحركة “فتح”، وثم أصبح أحد عناصر الحرس الشخصي لأبو إياد نائب عرفات، وأصبح أحد أفراد “القوة 17” وهي وحدة الأمن الخاصة لحركة “فتح”، تشكلت في منتصف السبعينيات، وترأسها على حسن سلامة الملقب بالأمير الأحمر. وعندما شنت إسرائيل الحرب على لبنان في الثمانينيات، تم نفي من بقي حياً أو غير معتقل من منظمة التحرير إلى تونس، إلا أن مغنية فضل البقاء والانضمام إلى صفوف “حزب الله” اللبناني .
عندما علمت الموساد بأن مغنية سيكون في دمشق، بدأت بنشاط هائل المستوى للحصول على التفاصيل من كل مصادرها بما فيها المخابرات الأجنبية وطرحت أسئلة مثل: هل سيأتي مغنية حقاً إلى دمشق؟ وإذا ما كان سيأتي فعلاً، ما الهوية التي سيختارها؟ في أي سيارة سيأتي؟ أين سوف يقيم؟ من سيرافقه؟ أي وقت سيصل إلى الاجتماع المرتقب للقاء المسؤولين السوريين والإيرانيين؟ هل السلطات السورية ستكون على علم بوصوله؟ هل “حزب الله” يعلم برحلته المخططة؟
ليلة قبل العملية
في الليلة التي سبقت العملية، سافر عملاء الموساد الثلاثة إلى دمشق من عدة مدن مختلفة: أحدهم جاء من باريس، والثاني من ميلانو، والثالث من عمان، وكان الثلاثة يحملون جوازات سفر مزورة تشير إلى أنهم رجال أعمال ووكلاء سياحة . وهناك التقوا مع بعض عملاء الموساد من دمشق حيث أخذوهم إلى كاراج مخفي، ووضعوا المتفجرات في سيارة أجرة . وكانت في انتظار مغنية فرقة من العملاء مهمتهم إخطار الرجال الثلاثة بخروجه من شقة زوجته السرية . وكان الرجال الثلاثة قد وصلوا إلى المطار بعد تجهيز السيارة التي من المقرر أن يتم تفجيرها من مسافة بعيدة عبر وسائل إلكترونية بعد أن أوقفوها في المكان الذي من المفترض أن يوقف مغنية فيه سيارته، وفعلاً تم تفجير السيارة عند خروجه بتاريخ 12 شباط 2008.
ويشير الكاتب إلى أن “المخابرات السورية بالتعاون مع نظيرتها اللبنانية قد ألقت القبض على العميل الذي كان يعمل لصالح الموساد لمدة عشرين سنة براتب سبعة آلاف دولار، وقد كان في الخمسينيات من عمره، كان يزور سوريا بين الفترة والأخرى في مهمات للموساد، وقد تبين أنه كان يحمل أدوات تصوير دقيقة، كان يستخدمها لملاحقة مغنية وجمع معلومات عنه”، حسبما يرد في الكتاب .