بقلم هيثم فضل الله – تساؤلات كثيرة طُرحت حول خطوة أمير قطر “السابق” الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، التي أعلن فيها التنحي عن السلطة فجأة وبدون أي مقدمات تُذكر لصالح نجله الأصغر الشيخ تميم الذي يبلغ من العمر 33 عاما فقط، ولم يكن من قبل بارزا على الساحة السياسية وفي المحافل الدولية، وحتى لم يقترن اسمه سوى ببعض النشاطات الرياضية وانه نجل أمير البلاد.
وفي اليومين السابقين، انهالت التعليقات على هذه الخطوة لتنتهي كلها بعلامة استفهام حولها.
وفيما عزت قناة الجزيرة القطرية وصحف قطر أسباب التنحّي الى “تفكير عميق واستراتيجي” كان مخططا له منذ أكثر من سنتين، فإنه لا بدّ لنا من وضع كافة الاحتمالات والتمعّن فيها ولا يبقى سوى الانتظار مدة أقصاها شهرين لنعرف خطوات الأمير تميم الجديدة والتي سنكتشف من خلالها السر الكامن وراء توليه هذا المنصب.
وقبل الدخول في “متاهات” أسباب رحيله او “ترحيله”, فنُذكّر بأن الرجل (حمد بن خليفة) أكد في كلمته الوداعية أن هدفه من استلام السلطة عام 1995 لم يكن طمعا بالحكم بل لأجل الوطن وهو يترك السلطة بعد 18 عاما من نهوض البلاد على جميع الأصعدة كما قال، وبات الدخل الفرد السنوي مائة ألف دولار (الأعلى بالعالم) بعدما كان 16 ألفا، وانتقل حجم الاقتصاد من ثمانية مليارات إلى 192 مليار دولار.
أما الآن فلنقف على فرضيات وأسباب تنحي أمير قطر وتنازله عن الحكم لابنه تميم.
تتلخص تلك الفرضيات بالتالي:
1- ضغوط دولية لاسيما أميركية دفعته للتنحي بهدف التراجع عن الموقف المنحاز للمعارضة السورية ولكن بشكل لا يجعل داعمي المعارضة السورية يبدون وانهم الخاسرين والمتراجعين فكانت الخطة ان يتسلم الشيخ تميم الحكم ويقول لاحقا انه قرر اعادة النظر في العلاقات مع الأسد ودعوة المعارضة للجلوس الى طاولة حوار معه.
2- أما الفرضية الثانية فتقول ان الأمير السابق يعاني من رهبة داخلية شديدة وتخوّف من قيام ابنه جاسم المتشدد اسلاميا او حتى تميم نفسه بعمل انقلاب عليه تماما كما سبق وفعل هو بحقّ والده عام 1995 حين كان قائد العسكر في قطر وربح الجولة وعُيّن أميرا حينها, فكان ان أصابته رهبة شديدة حين كبر ولديه وشبّا على نفس المبادئ, في الوقت الذي تؤكد أوساط اعلامية قريبة منه انه يعاني فعليا من هذه الأوهام والأفكار.
3- أما الفرضية الثالثة والتي يتداولها النظام السوري بالتزامن مع تبنّيه للفرضية الأولى, فهي ان دوائر اعلامية مقرّبة من الأمير السابق مستندة الى دراسات استراتيجية اميركية نصحته بالتنازل والتغيير منعا من دخول الثورة الى البلد وضياع الحكم من عائلته نهائيا وهو الذي طالما عانى في السابق من ضغوط داخلية من المجنّسين ومن ورائهم آل المسند أي عائلة الأميرة موزة التي لطالما اختلفت العائلتين فيما بينهما وخاصة على السلطة ومن يتولاها حتى هدأت الاحوال قليلا بزواج حمد من موزة مع حفظ الألقاب طبعا.
4- الفرضية الرابعة، والتي أستبعدها شخصيا نظرا لمعرفتي بمجموعة من الأطباء في مستشفى الأمير بالدوحة، فتتحدث عن اصابة الشيخ حمد بمرض خطير كان عليه ان يبدأ بعلاجه قريبا دون تأخر مما زاد الهواجس من قيام بلبلة هناك خاصة وان المرض حسبما يرجّح من أطلق شائعته هو تضخّم في القلب او سرطان القولون.
5- الفرضية الخامسة والأكثر شيوعا في الاعلام القطري ومن لفّه فهي تتلخص بوجود “بعد نظر” لدى الأمير المتنحّي نتج عنه فكرة تجديد الدم القطري وإنعاشه بضخّ “أوكسيجين” جديد هو الشيخ تميم لا سيما بعد حصول الدولة الصغيرة على شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 والتي يكون فيها عمر الشيخ حمد حينها قرابة الـ71 عاما فيما يكون الشيخ تميم قد بلغ 43 سنة من عمره, وهذه الفكرة مدعومة بكل صراحة بخطوتين قديمتين قام بهما الأمير حمد بشّرتا بشيء جديد لم يُعرف ما هو في ذلك الوقت. واحدة في العام 2010 حينما تحدث الأمير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن أن 85% من ملفات الدولة باتت بيد الشيخ تميم، أي أنه كان يدرك أهمية تسليم الحكم تدريجيا, مضيفا أن “الأجيال الجديدة لا ترتاح في العمل معنا، لديهم أفكار جديدة وقدرات جيدة”، واصفا الشيخ تميم بأنه “يعمل في الظل وبهدوء”.
والخطوة التبشيرية الثانية كانت بالعام 2012 كان الشيخ حمد يترأس وفد بلاده إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة كتب في السجل الرسمي للزوار أنها ستكون المرة الأخيرة التي يقوم فيها بهذه المهمة وتلك الزيارة, ويومها فوجئ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالملاحظة، وسأل عن مغزاها لكنه لم يحصل على الجواب المباشر.
وفي الختام, شئنا أم أبينا فقد انتقلت السلطة ليد الشاب تميم، لتتجه عيون المراقبين الى قطر وأميرها بنظرة شكّ ولو لفترة وجيزة قد تعود بعدها الى هجوم جديد تشنّه عليه فيما اذا خطا على طريق والده وانتهج نهجه السياسي.